العدد 6032
الأحد 20 أبريل 2025
إنجاز غير مسبوق على مستوى المنطقة
الثلاثاء 25 مارس 2025


تعد تقنية تعديل القواعد الوراثية من الابتكارات العلمية التي تبشر بثورة في الأبحاث البيولوجية والطبية، إذ تفتح آفاقًا جديدة لعلاج الأمراض المستعصية. لكن في ظل هذا التطور، تثار تساؤلات حول الأبعاد الدينية، الأخلاقية، والاجتماعية لهذا الإنجاز العلمي المذهل.

أهنئ الكادر الطبي البحريني على نجاحه في استكمال علاج أول مريض بفقر الدم المنجلي في الشرق الأوسط، باستخدام تقنية زراعة النخاع بالتعديل الجيني "CRISPR".

 يُعتبر هذا إنجازًا غير مسبوق على مستوى المنطقة، حيث تم الاعتماد على علاج "كاسغيفي" بعد تقييم دقيق لمعايير السلامة والجودة.

 استغرقت العملية ستة أشهر، بالتنسيق مع شركة Vertex Pharmaceuticals، وبتكلفة بلغت 800 ألف دينار.

أشاد سمو ولي العهد رئيس الوزراء، خلال زيارته للمريض أمجد المحاري، بهذا الإنجاز، مؤكدًا حرص المملكة على تطوير القطاع الصحي وتقديم أفضل مستويات الرعاية الطبية، مما يعكس رؤيتها الطموحة في أن تصبح مركزًا عالميًا للطب المتقدم.

العلم والخيال

لطالما استلهم الأدب خيال العلماء، كما هو الحال مع رواية "فرانكنشتاين" للكاتبة الإنجليزية ماري شيلي، والتي نشرت عام 1818، إذ طرحت فيها تساؤلات عن حدود التدخل البشري في الطبيعة.

 اليوم، بفضل تقنية CRISPR، أصبح بإمكاننا تعديل أو تغيير جينات الكائنات الحية، بل حتى إعادة تشكيل كائنات منقرضة، مثل الماموث الصوفي، من خلال استخراج حمضها النووي من خصلات الشعر المجمدة.

يعتبر العلماء مثل جورج تشرتش، تشانج، ولوتشيانو مارافيني، من رواد تعديل الجينات البشرية، حيث تمكنوا من تطوير تقنيات لإعادة برمجة الصفات الوراثية، ما يفتح الباب أمام إمكانيات لا حصر لها.

التحديات الأخلاقية والدينية

يثير التعديل الجيني تساؤلات فلسفية وأخلاقية، خاصة عندما يتعلق الأمر بتعديل الخط الإنتاشي (Germline)، إذ قد تنتقل التعديلات إلى الأجيال القادمة. 

وقد أبدى علماء الدين الإسلامي وجهات نظر متباينة حول هذا الموضوع:

يرى بعض العلماء أن التعديل الجيني قد يكون مقبولًا إذا كان يهدف إلى علاج الأمراض وتحسين الصحة، شريطة التأكد من عدم وجود أضرار جانبية.
بينما يحذر آخرون من أنه قد يتعارض مع الفطرة البشرية، استنادًا إلى الآية الكريمة: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (النساء: 119)، والتي تُفسر على أنها تحذير من التعدي على النظام الطبيعي الذي وضعه الله.
هناك أيضًا تخوف من استخدام التعديل الجيني لأغراض تجميلية أو لتعزيز صفات بشرية معينة، مما قد يخلق تفاوتًا بين الأفراد ويؤدي إلى تفاقم الفجوات الاجتماعية.
التأثيرات العلمية والطبية

أدى اكتشاف الحمض النووي DNA في خمسينيات القرن الماضي، على يد جيمس واتسون وفرانسيس كريك، إلى إحداث نقلة نوعية في علم الوراثة، مما مهد الطريق لاكتشاف تقنية CRISPR-Cas9 التي تتيح تعديل الجينات بدقة متناهية.

استخدامات تقنية CRISPR: تشمل علاج أمراض وراثية مثل فقر الدم المنجلي، بيتا الثلاسيميا، وبعض أنواع السرطان.
التحديات العلمية: يواجه العلماء تحديات مثل احتمال حدوث تعديلات غير مقصودة في الحمض النووي، والاستجابات المناعية التي قد يسببها النظام الجيني المعدل.
آفاق المستقبل: تشير الأبحاث إلى إمكانية استخدام التعديل الجيني في تحسين مقاومة الأمراض، تأخير الشيخوخة، وربما تعزيز القدرات الذهنية والجسدية.
التطبيقات الطبية لتقنية CRISPR

خضعت أول مريضة لعلاج فقر الدم المنجلي بتقنية CRISPR في الولايات المتحدة عام 2019، حيث تم تعديل جين "BCL11A" لتعزيز إنتاج الهيموجلوبين الجنيني. اليوم، تقدم تسعة مراكز طبية في الولايات المتحدة هذا العلاج، كما أن المملكة المتحدة أصبحت أول دولة خارج أمريكا تعتمد تقنية "كاسغيفي" رسميًا.

على الرغم من الجدل القائم حول هذه التقنية، فإن الدين والعلم ليسا بالضرورة على طرفي نقيض. إذ يمكن للدين أن يوجه استخدام العلم نحو أهداف إنسانية نبيلة، مثل علاج الأمراض المستعصية، في إطار الضوابط الأخلاقية والتشريعية التي تحافظ على كرامة الإنسان.

الخلاصة

تقنية CRISPR تفتح آفاقًا غير مسبوقة في مجال الطب والهندسة الوراثية، لكنها تثير أيضًا تساؤلات أخلاقية واجتماعية ودينية عميقة. وبينما تستمر الأبحاث في هذا المجال، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين الاستفادة من هذه التكنولوجيا المتقدمة، واحترام القيم الإنسانية والأخلاقية التي تحكم المجتمع.

إذا استُخدمت هذه التقنية بحكمة، فقد تمثل ثورة علمية غير مسبوقة تساهم في تحسين صحة الإنسان وتعزيز جودة الحياة، ولكن إذا أُسيء استخدامها، فقد تؤدي إلى تداعيات لا يمكن التنبؤ بها على مستقبل البشرية.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .