تتسارع وتيرة الحياة اليومية وتتزايد الضغوط بين مطالب العمل، وهموم المعيشه، وتتسلل التكنولوجيا الى أدق تفاصيل حياتنا، فيجد الإنسان نفسه في أمس الحاجة إلى من يصغي إليه، ويناقش معه همومه التي تثقل كاهله، فإذا كان هذا حال الفرد مع نفسه، فكيف هو حال الزوجين؟ فهل نحن بحاجة ‘لى حوار بنّاء وإنصات متبادل؟!
إن الزواج يحتاج إلى ركائز متينة ليبقى صامداً أمام تقلبات الحياة، ولا شك أن توظيف مهارة التواصل الفعّال تبرز كعامل محوري في تدعيم هذه الركائز، مما يمكّن الزوجين من تجاوز الأزمات وتحويل التحديات إلى فرص للنمو المشترك.
إذاً التواصل الفعّال أحد الركائز الأساسية التي تقاس به جودة الحياة الزواجية ، فحين يعبّر الشريكين عن مشاعرهما وآرائهما بوضوح، ترسخ بينهما الثقة والاحترام المتبادل، ولا يقتصر دوره على تقريب الروابط العاطفية فحسب بل يقلل من سوء الفهم عبر فهم احتياجات كل منهما وتوقعاته، لهذا يُعدّ تطوير مهارات التواصل استثمار ذو عائد، يغذي التفاهم، ويُرسي قواعد علاقة مرنة قادرة على تحدي صعوبات الحياة، بل وتحويل خلافاتهما إلى فرص لتعميق الإنسجام الذي ينعكس إيجابياً على أجواء الأسرة.
ومن أبرز مهارات التواصل "الحوار"، وهو "فن وعلم له أسسه وقواعده، وهو حديث يدور بين كل زوجين يعيشون حياة مشتركة، ويواجهون حياتهم معاً دون تدخل الآخرين بينهم"، ونرى أن "الزواج الناجح" لايقاس بغياب الخلافات بين الشريكين بل بمهارة إدرتها بذكاء، فالحوار وسيلة لتحويل إي صراع إلى حل، والتحدي الحقيقي ليس في بدء الحوار بل في إدارته وشعور الشريك بوجود التفاهم.
تشير احصائيات حديثة إلى أن غياب الحوار يَعد من العوامل الرئيسية المؤدية إلى الطلاق في عدد من المجتمعات، وقد نقلت صحيفة مكة، في عددها الصادر بتاريخ 31 مارس 2022، خبراً حول "استطلاع أجراه مجلس شؤون الأسرة بالمملكة العربية السعودية" الذي أكدت فيه أن غياب الحوار وراء 40% من حالات الطلاق، وإن كانت هذه النتيجة تُبرز شيئاً، فهي تؤكد أن غياب الحوار يؤثر سلباً على الحياة الزوجية، فتتحول النزاعات إلى مشكلات مزمنة يصعب حلها، نتيجة تراكم المشاعر السلبية بين الزوجين، وازدياد سوء الفهم بين الطرفين، مما يؤدي إلى انخفاض الترابط العاطفي، فتتراكم المشكلات بين الزوجين، وبالآخير فقدان الرغبة في إكمال العلاقة الزواجية.
ومع دخول شهر رمضان المبارك، يتاح للزوجين وقت لمشاركة اللحظات الاجتماعية والروحية والاجتماع على مائدة الإفطار والسحور، وهي فرصة لتجديد الروابط العاطفية بينهما، إذ يتيح هذا الوقت لحظات ثمينة لتعزيز الحوار عن طريق تبادل أطراف الحديث ومشاركة الخبرات والاهتمامات، والتعبير عن المشاعر، وتوضيح الأدوار والمسؤوليات، والتعاون على اتخاذ القرارات، وفهم احتياجات كل منهما وتوقعاته، مما يعزز الانسجام والألفة والتقارب بينهما في الأمور " العاطفية، الثقافية، الجنسية، الاجتماعية" غير أنه يعكس عمق التوافق بين الشريكين، والذي يهدف بشكل أساسي إلى تحقيق سعادتهما المشتركة، حيث تسهم هذه السعادة بدورها في تحسين الصحة النفسية لكل منهما على المستوى الفردي.
وفي رحاب هذا الشهر الكريم الذي تسود قيم المودة والتعاطف والتقارب ، يَمّنح الزوجين أيضاً فرصة للتغيير والتجديد، لإعادة تشكيل حواراتهما وبناء جسور من التفاهم، ولا يخفى عليكم أن الحوار مهارة تكتسب بالتدريب والممارسة، وتقوم على قواعد، والتزام يومي قائم على التعبير الصادق والإنصات، قد يبدو الأمر صعباً في البداية، خصوصاً في العلاقات التي تعودت على الصمت، لكن النتائج تستحق الجهد، فكل جهد يبدل في فهم الآخر، وكل كلمة صادقة تُقال، وكل مشكلة ُتناقش باحترام، تسهم في تقوية الروابط الزواجية وجعلها أكثر متانة واستمراريه.
وفي الختام، فلنعمل جميعاً على تنمية ثقافة الحوار في علاقاتنا، وليكن شهر رمضان هو البداية لتوطيد هذه القيم في مجتمعنا، من خلال تعليم الأجيال أن الزواج الناجح قائم على الحوار، وأنه هو السبيل لتجاوز الصعوبات ومواجهة التحديات، وإن بناء أسس قوية للتفاهم بين الزوجين يعزز العلاقة الزواجية، ويساهم في خلق بيئة صحية للأبناء، حيث يتعلمون أهمية الحوار والاحترام المتبادل.
* باحثة اجتماعية بمركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |