كان الزواج في مصر القديمة عقداً اجتماعياً مقدساً يعكس مكانة الأسرة وأهميتها في المجتمع، اهتم المصريون القدماء بالزواج بوصفه الوسيلة الأساسية لتكوين الأسرة، وضمان الاستقرار الاجتماعي، واستمرار النسل، وقد حمل الزواج عندهم أبعاداً دينية وقانونية واضحة، مما جعل لعقد الزواج مكانة مميزة في حضارتهم.
اعتبر الزواج رباطاً مقدساً يتم تحت رعاية الآلهة، وكان يُعتقد أن الآلهة تحمى الأسرة وتباركها، وقد صُوِّرت الزوجة في النصوص والنقوش المصرية كرفيقة حياة تُعزز من استقرار الزوج وتشاركه مسؤوليات الحياة، كما يظهر في الأدبيات المصرية القديمة تقدير المرأة كزوجة وأم، إذ أُطلق عليها لقب " سيدة البيت " و" شريكة الحياة “.
فقد عُثر على برديات عدة تسجل عقود الزواج في مصر القديمة، وكانت هذه العقود تعكس الطابع القانوني للعلاقة الزوجية، ومن أشهر البرديات التى توثق عقد الزواج هي البردية المحفوظة في المتحف البريطاني، والتي تعود إلى العصر المتأخر، تضمنت هذه العقود البنود الأساسية التى تنظم العلاقة بين الزوجين مثل:
- حقوق الزوجة: تضمنت البردية شروطاً تضمن حقوق المرأة في حال الانفصال أو وفاة الزوج، كان العقد ينص على التزام الزوج بتوفير المسكن والنفقة لزوجته.
- المهر والمؤخر: شملت العقود قيمة المهر الذي يدفعه الزوج للزوجة، والذي يُعد ضماناً مالياً لها، كما ذُكر في بعض العقود تعويضات تُمنح للزوجة في حال الطلاق.
- شروط الالتزام المتبادل: أكدت العقود على التزامات الطرفين تجاه بعضهما، مثل الاحترام المتبادل والإخلاص.
ومن أقوال الحكماء المصريين عن أهمية رعاية المرأة ووصاياهم لأبنائهم ، والتى وُجدت على إحدى البرديات التى سجلت تلك الوصايا قال الحكيم بتاح حتب منذ حوالى العام 2400 ق.م: إذا أردت الحكمة فأحب شريكة حياتك ، اعتن بها ترعى بيتك ، أطعمها كما ينبغ ، اكس ظهرها واستر عليها ، عانقها وأوفى لها طلباتها ، أفتح لها ذراعيك ، وادعوها لإظهار حبك لها ، اشرح صدرها وادخل السعادة إلى قلبها بطول حياتها ؛ فهى حقل طيب لسيدها وإياك أن تقسو عليها فان القسوة خراب للبيت الذى أسسته ، فهو بيت حياتك لقد اخترتها أمام الله فأنت مسئول عنها أمام الإله ... حافظ عليها ما دمت حياً ، فهى هبة الآلهة التى استجابت لدعائك ، فأنعمت بها عليك وعليك تقديس النعمة إرضاءً للآلهة ، حس بآلامها قبل أن تتألم ... أنها أم أولادك ، إذا أسعدتها أسعدتهم ، وفي رعايتها رعايتهم ، أنها أمانة في يدك وقلبك ، فأنت المسئول عنها أمام الإله الأعظم ، الذى أقسمت في محرابه أن تكون لها أخاً وأباً وشريكاً لحياتها .
فيما قال الحكيم آني في القرن الرابع عشر ق. م، موجهاً حديثه للرجال: لا تكن رئيساً متحكماً لزوجتك في منزلها، إذا كنت تعرف أنها ممتازة تؤدى واجبها في منزل الزوجية، فهي سعيدة وأنت تشد أزرها، ويدك مع يدها، أنت تعرف قيمة زوجتك وسعادتكما حين تكون يدك بجوارها، فكل زوج ينبغي أن يتحلى بضبط النفس وهو يعامل زوجته.
أما الحكيم سنب-حتب فيوصى ابنه بما يلي: إذا أردت الله فأحب شريكه حياتك اعتن بها تعتن ببيتك وترعاك، قربها من قلبك فقد جعلها الإله تؤما لروحك، إذا أسعدتها أسعدت بيتك، وإذا أسعدت بيتك أسعدت نفسك زودها بكسوتها ووسائل زينتها وزهورها المفضلة وعطرها الخاص، فكل ذلك سينعكس عى بيتك ويعطر حياتك ويضفى عليها الضوء، أسعدها ما دمت حياً فهي هبه الإله الذي استجاب لدعائك بها، فتقديس النعمة إرضاء للإله ومنعاً لزوالها.
أما عن الجانب القانوني في عقد الزواج ظهر من خلال هذه البرديات أن المصريين القدماء كانوا حريصين على توثيق الزواج لحفظ الحقوق وتجنب النزاعات، كان عقد الزواج بمثابة وثيقة قانونية تضمن التزام الطرفين ببنود محددة، ويمكن اللجوء إليها في حال وقوع خلافات.
عكس عقد الزواج مدى تطور الفكر القانوني والاجتماعي في مصر القديمة، فقد كان يُنظر إلى الأسرة باعتبارها النواة الأساسية للمجتمع، ولذا أُحيط الزواج بضمانات قانونية ودينية تُعزز استقراره.
وخلافاً لمعظم المجتمعات القديمة التى كانت تمنع وتعارض الطلاق؛ إذ كانت الزوجات يعاملن على أنهنّ سلع أو ممتلكات، كان قدماء المصريين يسمحون بالطلاق وانفصال الزوجين عن بعضهما البعض في حال وجود سبب يدعو إلى ذلك، وكان يحق للنساء أيضاً طلب الطلاق، وكان يحق للمرأة المطالبة بتعويض مالي في حال تضررها، وعادة وفى حال حدوث الطلاق فإن الأطفال ينتقلون للعيش مع الأم، كما يحق لها الحصول تلقائياً على نحو ثلث ماله وثروته.
وختاماً يظهر عقد الزواج عند قدماء المصريين مزيجاً فريداً من القيم الدينية والاجتماعية والقانونية، مما يبرز عمق حضارتهم ووعيهم بأهمية توثيق العلاقات الأسرية بشكل عادل ومستدام.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |