العدد 6002
الجمعة 21 مارس 2025
أنظمة التحويلات المالية العالمية وتأثيرها على موازين القوى الدولية
الإثنين 10 مارس 2025

قد يبدو هذا المقال مختلفاً بعض الشيء عن السياق الذي اعتدت اتباعه في كتاباتي، ولكن نظراً لأهمية الموضوع، رأيت أن أقدم للقارئ لمحةً موجزةً عن هذا المجال الحيوي والمهم، حتى وإن كانت هذه المعلومات بسيطة للبعض، وذلك لتسليط الضوء على جوانبه الأساسية وفهم تأثيره الكبير على الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية.

في عالم يتسم بترابط اقتصادي متزايد واعتماد مكثف على التكنولوجيا المتقدمة وتحليل البيانات الضخمة، تُعد أنظمة التحويلات المالية العالمية إحدى الركائز الأساسية لدعم استقرار التجارة الدولية وتيسير حركة رأس المال بين الدول. يُمثل نظام سويفت (SWIFT)، كمنصة رئيسية للتحويلات المالية العالمية، أداة حيوية لضمان سلاسة العمليات المالية عبر الحدود. لكن مع تعاظم التوترات الجيوسياسية، لم يعد هذا النظام مجرد وسيلة تقنية لتحويل الأموال، بل أصبح ساحة صراع تعكس تغيرات موازين القوى العالمية، حيث تُوظَّف أدواته لتعزيز المصالح السياسية والاقتصادية للدول الكبرى

منذ أن استطاعت الولايات المتحدة فرض هيمنتها على النظام المالي الدولي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، استخدمت منصات مثل "سويفت" (SWIFT) كأداة للضغط السياسي والاقتصادي. من خلال فرض العقوبات على دول وكيانات مختلفة، حيث تحول النظام المالي إلى وسيلة لتعزيز المصالح الجيوسياسية الأمريكية. إلا أن هذا الواقع أثار انتقادات وتساؤلات من قوى عالمية أخرى، مثل روسيا والصين، التي تسعى إلى تقليص الهيمنة الأمريكية عبر تطوير أنظمة تحويلات مالية بديلة.

في هذا المقال، سنحاول استعراض الفروق بين نظام التحويلات العالمي (SWIFT) ونظام التحويلات الروسي (SPFS)، مع تسليط الضوء على بعض خصائص كل منهما ودوافع إنشائهما.

أولاً: نظام التحويلات "سوفت" (SWIFT) تعني: Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunication (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك)
حيث تأسس في عام 1973 في بلجيكا، ويُعد شبكة مالية عالمية تربط بين أكثر من 11,000 مؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة وذلك حسب هو ورد بموقع (www.investopedia.com)، وكان الغرض منه توفير منصة آمنة وموحدة لتبادل الرسائل المالية، مثل تعليمات الدفع وتحويل الأموال عبر الحدود.

أما من حيث البنية التحتية، فيعتمد سوفت على نظام مركزي يضمن أمان وسرعة التحويلات، والنظام لا ينفذ التحويلات المالية فعلياً، ولكنه يسهل التواصل بين البنوك لإتمامها. أما من حيث الاستخدام فهو يستخدم على نطاق واسع في التجارة الدولية والتحويلات المالية والخدمات المصرفية بين البنوك، كما أنه يخضع بشكل كبير للرقابة الأوروبية والأمريكية، مما يجعله عرضة لاستخدامه كأداة ضغط سياسي أو اقتصادي، مثل فرض العقوبات.

ثانياً: ونظام التحويلات الروسي (SPFS) وتعني System for Transfer of Financial Messages (نظام نقل الرسائل المالية)، أُطلق في عام 2014 من قِبل البنك المركزي الروسي كرد فعل على تهديدات بفصل روسيا عن نظام (SWIFT) بسبب العقوبات الغربية. وكان الغرض منه توفير نظام بديل يسمح للبنوك الروسية بالاستمرار في إجراء التحويلات المالية داخلياً ودولياً دون الاعتماد على منصة (SWIFT).

أما من حيث البنية التحتية، فهو مصمم للعمل بشكل مشابه لنظام (سوفت) ولكنه مخصص في البداية للربط بين المؤسسات المالية الروسية. هذا وبدأ في التوسع والتعاون مع بنوك دول أخرى مثل الصين والهند وإيران وتركيا وبيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وذلك حسب هو ورد بموقع (www.cbr.ru)، هذا ويركز استخدامه بشكل أساسي على تقليل الاعتماد على الأنظمة الغربية وتحقيق قدر من الاستقلال المالي. كما أنه يخضع للتبعية الروسية وهو أقل عرضة للتأثيرات الغربية بسبب إدارته من قبل روسيا، ولكنه محدود في انتشاره مقارنة بنظام سوفت (SWIFT).

ويمكن ان نوجز الفروق فيما يلي: 
من حيث النطاق فإن (SWIFT) فهو عالمي، أما (SPFS) فهو مازال محلي مع توسع تدريجي.
من حيث الاشراف والمراقبة فإن (SWIFT) منصة دولية مقرها بلجيكا، أما (SPFS) فيديره البنك المركزي الروسي.
من حيث الاستقلالية فإن (SWIFT) يخضع لضغوط سياسية غربية، أما (SPFS) فيعتبر مستقل نسبياً.
من حيث الانتشار يُعد (SWIFT) واسع الانتشار وتعتمده أغلب الدول، أما (SPFS) مازال محدود، ولكنه في طور التوسع، ولكن بطيء نوعاً ما.
من حيث الدوافع يُعد (SWIFT) من الأدوات التي تسهل التجارة العالمية، أما (SPFS) تم انشاؤه من أجل تقليل الاعتماد على نظام التحويلات "سوفت".
هناك تحديات يوجهها (SWIFT) من أبرزها، تتعلق باستخدامه كأداة ضغط سياسية، مما يدفع بعض الدول إلى البحث عن بدائل، أما (SPFS) الروسي فمازال يعاني من محدودية العضوية الدولية، مما يجعله أقل فعالية في التجارة العالمية مقارنة بنظام التحويلات (SWIFT).

الخلاصة:
نظام التحويلات (SWIFT) هو النظام المهيمن عالمياً ويُعد العمود الفقري للتجارة الدولية، بينما يُمثل (SPFS) هو عبارة عن محاولة روسية لتعزيز الاستقلال المالي والسيادة الاقتصادية في مواجهة الضغوط والعقوبات الغربية. في نفس الوقت يُعتبر (SPFS) رداً استراتيجياً من روسياً على هذه التحديات، حيث يوفر بديلاً محلياً وآمناً لتحويل الرسائل المالية، مما يُعزز من قدرتها على تقليل الاعتماد على الأنظمة المالية الغربية وضمان استقلالها المالي.

في الختام، يعكس الصراع بين النظامين تحولات جيوسياسية أعمق، حيث تسعى دول مثل روسيا والصين والهند إلى بناء أنظمة مالية بديلة تعزز سيادتها الاقتصادية وتقلل من هيمنة الغرب وأمريكا على الاقتصاد العالمي. ومن هنا، وبعد تسليط الضوء على المجال الحيوي، نغتنم هذه الفرصة ومن هذا المنبر لنحث رواد الأعمال المتخصصين في مجال التكنولوجيا المالية (FinTech) على التركيز على تطوير مبادرات مبتكرة سواء محلياً أو عالمياً. هذا ويمثل هذا التوجه فرصة استراتيجية واعدة لرواد الأعمال والمبتكرين في مملكة البحرين لتحقيق الريادة في تطوير منصات مالية تعتمد على التقنيات الحديثة. 

مثل هذه الجهود يمكن أن تسهم وتنوع مصادر الدخل وتعزز الناتج المحلي الإجمالي (GDP) وزيادة تنافسية المملكة على المستويين الإقليمي والدولي.

*أكاديمي بحريني
 

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .