العدد 6000
الأربعاء 19 مارس 2025
"ليس دمجًا، بل تفاعل: دعوة 'ذوي العزيمة' لإعادة تشكيل نظرة المجتمع"
الأربعاء 12 فبراير 2025

لطالما اعتاد المجتمع على الحديث عن "دمج ذوي الإعاقة في المجتمع"، وكأننا جهة تحتاج إلى التأقلم والتكيف مع معايير الآخرين. وأنا، ومن خلال تجربتي الشخصية كواحد من ذوي الإعاقة، أرى أنه آن الأوان لأن نغير هذا المنظور. نحن لا ننتظر من المجتمع أن يكيفنا؛ بل المطلوب أن يتعلم المجتمع كيف يدمج نفسه معنا، كيف يتعرف على إمكانياتنا ويساهم في إظهار قدراتنا الفريدة. إننا، كما أطلّق علينا صاحب السمو خالد بن حمد آل خليفة، "ذوي العزيمة"، نمتلك القوة والإصرار لنكون شركاء حقيقيين في بناء مجتمع متكامل وشامل.

على مر السنين، واجهنا تحديات جمّة نتيجة النظرة النمطية التي تُعامَل بها فئتنا؛ فبدلاً من تقدير قدراتنا ومساهماتنا، يُنظر إلينا بعين الاستعطاف والمساعدة الدائمة، وكأننا عاجزون عن الاعتماد على أنفسنا. وفي الواقع، ليست مسألة الاندماج مشكلة تخصنا نحن فحسب، بل هي انعكاس لفشل المجتمع في فهم طبيعتنا وقدراتنا. فالنقطة الأساسية ليست في محاولتنا "الاندماج"، بل في ضرورة أن يتعلم المجتمع كيفية الاندماج معنا.

في كثير من المناسبات، يعتقد الناس أن ذوي الإعاقة يحتاجون للمساعدة طوال الوقت، دون التفريق بين الحاجة الحقيقية والرغبة في المساعدة غير المرغوبة. يُلاحظ أن بعض الأفراد حين يرون شخصًا من ذوي الإعاقة يقوم بمهمة بسيطة مثل صعود السيارة بمفرده، ينطلق البعض فورًا لتقديم المساعدة، معتقدين أنه عاجز عن فعل ذلك بمفرده. وهذا هو الخطأ الأكبر؛ فالتدخل في مثل هذه المواقف قد يؤدي إلى الإحراج وإضعاف الثقة بالنفس، حيث يُستشعر أن المساعدة تُقدم دون استئذان أو طلب. إننا لسنا بحاجة إلى التعاطف المطلق الذي يُقدم بشكل تلقائي، بل إلى احترام خصوصياتنا والاعتراف بقدرتنا على اتخاذ القرار بأنفسنا. يحتاج المجتمع إلى تمييز اللحظات التي تكون فيها المساعدة ضرورية حقًا من تلك التي لا يكون فيها ذلك مطلوبًا.

من واقع تجربتي وتجارب كثير من "ذوي العزيمة"، يتضح أن الشمولية الحقيقية تتحقق عندما يصبح المجتمع واعيًا بأن دعم ذوي الإعاقة لا يعني الإسقاط علينا نظرة الشفقة، بل يعني توفير الفرص والمرافق التي تُتيح لنا المشاركة الكاملة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وهذا يتطلب إعادة تصميم الأماكن العامة، وتعديل السياسات التعليمية والوظيفية، بل وتغيير العقلية المجتمعية التي تعتبرنا عبئًا يحتاج إلى رعاية مستمرة.

نحن لا نطلب معاملة خاصة بقدر ما نطالب بتقدير ذواتنا وقدراتنا؛ فنحن نستطيع القيام بمهامنا اليومية بفعالية إذا ما تم إعطاؤنا الفرصة. إن دمج المجتمع معنا يعني أن يُظهر كل فرد من أفراد هذا المجتمع اهتمامه بمساعدتنا حين تستدعي الظروف ذلك، وأن يحترم استقلاليتنا عندما نكون قادرين على إدارة شؤوننا بأنفسنا. فالتدخل غير المناسب، مهما كان بنية حسنة، قد يُسبب الإحباط ويُخفي وراءه صورة قديمة عفا عليها الزمن عن ذوي الإعاقة.

إن التغيير الحقيقي لا يأتي من محاولات فردية أو مبادرات عابرة، بل من وعي جماعي وتضافر جهود جميع فئات المجتمع لتبني قيم الاحترام والتضامن. نحن، ذوي العزيمة، نؤمن بأن لكل فرد منا قصة نجاح تُمثل مصدر إلهام للآخرين، وإن قدرة المجتمع على احتضان اختلافاته يمكن أن تحولها إلى قوة دافعة نحو مستقبل أفضل.

إن دعوة اليوم موجهة لكل من يملك القدرة على التأثير في محيطه، إلى أن يعيد النظر في كيفية التعامل مع ذوي الإعاقة؛ ليس بمظهر الاستعطاف المبالغ فيه، بل بنظرة تقدير للقدرات ورؤية واضحة لإمكانياتنا كشركاء في صناعة القرار والتقدم. إن التحديات التي نواجهها ليست عائقًا أمام تحقيق الأهداف المشتركة، بل هي دعوة لتحطيم الحواجز التي فرضها الجهل والخوف من التغيير.

ختامًا، فإن الشمولية الحقيقية تتحقق عندما يصبح كل فرد من أفراد المجتمع على دراية بأن دمج المجتمع معنا ليس مجرد شعار، بل هو رؤية مستقبلية قائمة على المساواة والاحترام المتبادل. وهذا التغيير يبدأ من داخل كل واحد منا، ومن خلال مساهمات المجتمع التي ترتكز على فهمنا كأفراد قادرين، وإدراكنا لقوتنا الداخلية التي جعلت منا "ذوي العزيمة".

بهذه الرؤية، نتطلع إلى مستقبل يُحتفى فيه بالتنوع والإبداع، ويُقدر فيه كل صوت وكل قصة نجاح كخطوة نحو مجتمع أفضل يتشارك في الجميع في بناء مستقبل مشرق للجميع.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .