منهجية قياس أو تقييم الأثر التشريعي هو إجراء منظم لتحليل آثار التشريعات من عدة نواحي (مالية، اقتصادية، سياسية، اجتماعية، بيئية، صحية..ألخ) وتقييم منافعها وتكاليفها بهدف حوكمتها وتحسين جودتها، وتسهيل مهمة البرلمان في استيعاب أو قبول التشريعات وانجازها مما يعزز دوره التشريعي والرقابي على أداء الحكومة، والتعرف على آراء أصحاب المصلحة المتأثرين بالتشريع قبل صدوره الأمر الذي يعكس نتائجه الإيجابية والمقبولة على المجتمع كافة ويحقق عدالة وسيادة القانون من خلال تجنب إهمال تطبيقه أو تطبيقه بشكل خاطئ عمدًا أو جهلًا أو تطبيقه على بعض المشمولين بأحكامه دون غيرهم. تعتبر المنهجية من أفضل الممارسات المعاصرة في الإصلاح التشريعي، وتطبق في أغلب الدول وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر مهد تقييمات أثر التشريعات والسياسات العامة في العالم، ويرجع أساس إصدار دليل المنهجية في الولايات المتحدة إلى عدة قرارات تنفيذية من رؤسائها وآخرها القرار رقم 13563 عام 2011م الصادر من الرئيس أوباما، وتبعه قانون FEBPA لعام 2018م الذي وضع أسس صنع السياسات القائمة على الأدلة. وتعتبر المملكة المتحدة أولى الدول الأوروبية التي أجرت تقييمات الأثر ولها إصدارين أخيرين متمثلين في (الكتاب الأخضر للحكومة المركزية وكتاب الماجنتا حول تقييم الأثر التنظيمي الصادرين من وزارة الخزانة البريطانية في عام 2020). أما بالنسبة لجمهورية فرنسا فأن الاساس التشريعي لإجراء تقييمات الأثر هو دستورها الحالي لعام 1958م وكذلك النظام الداخلي للجمعية الوطنية الذي نص على وجوب تقييم القوانين بعد ثلاث سنوات من دخولها حيز النفاذ. في حين إن الممارسات في مملكة البحرين أخذت ببعض عناصر تقييم الأثر في المذكرات الإيضاحية المصاحبة للمقترحات ومشاريع القوانين، ولكنها لم تشمل العناصر الأساسية التي اجمعت عليها معظم الدول التي تجري تقييمات الأثر، ولم نجد أي أداة تشريعية تُلزم إجراء التقييم، حيث نأمل إصدار دليل متكامل لتطبيق منهجية تقييم الأثر التشريعي في المملكة بحيث يشمل جميع العناصر الأساسية للتقييم ويوضح آلية إجرائه ويحدد الجهة المختصة بإجرائه وذلك على غرار الدول محل الدراسة.
ينقسم تقييم الأثر التشريعي إلى تقييم سابق ولاحق، فالتقييم السابق هو تقييم أثر التشريع الجديد المنوي إصداره قبل البدء بسنه وذلك من خلال تقييم الفوائد المرجوة منه والتكاليف المتوقعة لاختيار أكثر الخيارات كفاءة وفاعلية، أما التقييم اللاحق فهو مراجعة للتشريع الساري ودراسة مدى ملائمته وفاعليته بعد فترة زمنية معينة من تطبيقه الفعلي على أرض الواقع.
وبالنسبة للجهات المختصة بتطبيق منهجية تقييم الأثر التشريعي في الدول فهي غالبًا ما تقوم به رئاسة الدولة أو مجالس الوزراء أو عادة ما تكلف الحكومات مراكز البحوث والفكر أو الشركات الاستشارية على إجراء هذه التقييمات على أن تخضع هذه المراكز والشركات لإشراف رئاسة الدولة أو مجالس الوزراء، حيث تُكلف الإدارة الأمريكية مكتب الإدارة والميزانية OMB داخل إدارة البيت الأبيض بإجراء تقييمات الأثر، وبالنسبة للمملكة المتحدة وفرنسا فأن مجلس الوزراء هو المعني بإجراء تقييم الأثر التشريعي بالتنسيق مع الدوائر الحكومية.
وفيما يخص شكل المنهجية الشائع في أغلب الدول فأنه يتكون من العناصر الأساسية التالية: 1. تحديد المشكلة: تحديد أسبابها التي تبرر التدخل بإجراء تنظيمي أو تشريعي، وجمع الأدلة حول طبيعتها، والتعرف على دوافع الجهات المتأثرة، والقوانين ذات العلاقة بالمشكلة ومدى قصورها، واحصائيات داعمة لها، وتقييم المخاطر الناجمة عنها. 2. تحديد الأهداف: التي يسعى صانع القرار إلى تحقيقها في سبيل علاج المشكلة والقضاء على مسبباتها، ويجب أن تكون الأهداف واضحة وواقعية وقابلة للتحقق ومحددة الزمن. 3.تحديد الخيارات: وهي إجراءات يتم اتخاذها لحل المشكلة وتحديد الجهات المسؤولة عن تنفيذ كل خيار، ويجب مراعاة التسلسل الآتي في تحديد الخيارات: أ. عدم القيام بأي إجراء، أي ترك المشكلة إذا كان التدخل التنظيمي أو التشريعي قد يفاقمها أكثر. ب. التدخل التنظيمي للحكومة (خيارات غير تشريعية) وهي اتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة لحل المشكلة كالحملات التوعوية أو أعطاء الحوافز أو منع التصرفات. ج. التدخل التشريعي بتقديم اقتراحات أو مشاريع القوانين. د. الدمج بين الخيارين التنظيمي والتشريعي إذا كان الجمع بينهما يؤدي إلى حل المشكلة. 4.تحليل الخيارات: يكون كالآتي: أ. دراسة الآثار من الناحية المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية والصحية..ألخ. ب. توزيع الآثار على الجهات الرسمية وغير الرسمية ومختلف فئات المجتمع وذلك من خلال تبيان الجهات والفئات المتأثرة إيجابيًا وسلبيًا داخل كل أثر من الآثار المذكورة. ج. تقييم التكلفة والعائد لكل خيار والمزايا التي سيحققها. د. تبيان الخيار المناسب للحكومة. 5. إجراء المشاورات: كلما كانت المشاورات واسعة تشمل أصحاب المصلحة والمتأثرين بالتشريع أدى ذلك إلى فاعلية التشريعات وخروجها بشكل مقبول مجتمعيًا، ويجب تحديد أصحاب المصلحة وآلية التشاور والمدة الزمنية للقيام بها، والاستفادة من التغذية الراجعة بشأنها. 6. اختيار أفضل الخيارات: اختيار الخيار الأفضل وتبريره بحيث يحقق أقل كلفة وأكثر منفعة من مختلف الآثار وذلك بناءً على المقارنة بين الخيارات المختلفة. 7.الالتزام والنفاذ: التنفيذ ويشمل تحديد مراحله المتمثلة في عملية التنفيذ وتواريخها المحتملة، وتحديد مسئوليات التنفيذ وإسنادها لجهة معينة أو إنشاء جهة جديدة، وإدارة المخاطر، وتنظيم التواصل لتدفق المعلومات، وترتيب جزاءات على المخالفين. 8.المراجعة والتقييم: بعد تطبيق الخيار التنظيمي أو التشريعي يجب تقييمه لتحديد منافعه وتكاليفه الفعلية وما إذا كان قد حقق الآثار المرجوة منه.
وفي الختام نوصي الجهات المختصة بإصدار دليل لتطبيق منهجية تقييم الأثر التشريعي في مملكة البحرين وذلك لما له من إيجابيات في حوكمة التشريعات وتحسين جودتها وتقليل الآثار السلبية المترتبة عليها، وتعزيز دور البرلمان التشريعي والرقابي، وتيسير عملية تطبيق القوانين والالتزام بها لتحقيق أكبر فائدة مرجوة منها مما يحقق مبدأ سيادة القانون.
*باحث قانوني وأكاديمي
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |