تثير مسألة حضانة الأطفال جدلاً حادًا وتتطلب تفكيرًا عميقا وتدخلا سريعاً ، خاصة عندما نلقي نظرة على المادة (124) من قانون الأسرة رقم (19) لعام 2017، التي تنص في الشق الثاني منها، والخاص بالفقه الجعفري، على أن "تنتهي حضانة الأم عند اتمام سن السابعة للابن أو الابنة،وبعد سن السابعة تكون الحضانة للأب".
النص المذكور يطرح تساؤلات أساسية: هل من العدل أن تقطع العلاقة الأمومية وفقا لتشريع قانوني صارم، بدون تقييم فردي فعلي لما يناسب مصلحة الطفل أو مراعاة الروابط العاطفية مع والدته؟ وهل يكفي أن يكون هناك لقاء أسبوعي بين الأم وطفلها؟
يجب التأكيد أن الهدف من هذا الطرح ليس الترويج لأفضلية الأم على الأب في الرعاية، بل التركيز على أهمية توفير الأمان العاطفي للطفل بغض النظر عن جنس الوالدين
من المهم إجراء مراجعة وتقييم دقيق لهذا النص، للتأكد من مطابقته لمبادئ حقوق الطفل ومراعاة الجوانب النفسية والاجتماعية، و الاستناد إلى الدراسات العلمية الرصينة التي تؤكد أهمية الأمان العاطفي للطفل.
القوانين التي تتعارض مع مبادئ حقوق الطفل:
لا يمكننا تجاهل الحالات التي يظهر فيها القانون عمى تجاه الظروف الفردية لكل حالة طفل. فالنص القانوني الذي يفترض ببساطة أن الأب هو الأنسب لحضانة الطفل في هذا العمر المبكر، دون أخذ الجوانب النفسية والفطرية التي تربط الأطفال بأمهاتهم خلال هذه المرحلة العمرية المهمة ، يشكل تناقضا مع أبسط حقوق الطفل ومصلحته.
تؤكد اتفاقية حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة على حق الطفل في النمو ضمن بيئة عائلية مستقرة محاطة بالحب والرعاية. كما تنص الاتفاقية على ضرورة أخذ مصلحة الطفل بعين الاعتبار كأمر أساسي في جميع القرارات المتعلقة به.
لذا، يجب أن نعمل على تحقيق التوازن بين حقوق الآباء والأمهات ومصلحة الطفل في قضايا الحضانة. ما ينبغي أن تكون قوانين الأسرة مركزة على مبدأ تقديم مصلحة الطفل كأمر أساسي وتعزيز العلاقة العاطفية بين الطفل وكل من والديه.
الاستجابة لصوت الطفولة:
لتحقيق استجابة فعالة لصوت الطفولة في قضايا الحضانة، يمكن اتخاذ عدة إجراءات، التي من الواجب مراعاتها ووضعها في الاعتبار عند سن تشريع يتعلق بالطفل والطفولة:
1. تعزيز الحوار والاستماع للأطفال: يجب أن يتم تشجيع القضاة والمحامين والمتخصصين في قضايا الحضانة على الاستماع إلى آراء الأطفال ومراعاة ما يعبرون عنه من آراء واحتياجات. يمكن استخدام وسائل مثل المحادثات الخاصة والمراجعات الاستشارية لاستجلاء آراء الأطفال.
2. تعيين وصي قانوني للطفل: يمكن تعيين وصي قانوني للطفل لتمثيل مصالحه والدفاع عنه في قضايا الحضانة. يجب أن يكون للوصي القانوني دور كبير في صناعة القرارات المتعلقة بحضانة الطفل.
3. تقييم مصلحة الطفل: من الضروري إجراء تقييم شامل لمصلحة الطفل في قضايا الحضانة، ويشمل العوامل العاطفية والنفسية والاجتماعية والتربوية. يتعين أن يتم توفير خبراء ومتخصصين لتقييم هذه العوامل وتقديم توصيات تتناسب مع مصلحة الطفل.
4. التركيز على الحلول البديلة: ينبغي أن يتم التركيز على إيجاد حلول بديلة لقضايا الحضانة التي تحقق مصلحة الطفل. يمكن أن تشمل هذه الحلول الاتفاق على الحضانة المشتركة أو توفير وقت متساوٍ للوالدين مع الطفل أو توفير دعم إضافي للوالدين لتعزيز قدراتهم في تربية الطفل.
5. التدريب والتوعية: يجب توفير التدريب والتوعية للقضاة والمحامين والعاملين في مجال القضايا الأسرية حول حقوق الطفل وأهمية الاستجابة لصوتهم. من المستحسن أن يكون لديهم الوعي بالمبادئ الدولية والمحلية المتعلقة بحقوق الطفل وتطبيقها في قضايا الحضانة.
يتعين على القوانين والأنظمة الخاصة بقضايا الحضانة أن تكون مرنة ومتكيفة مع احتياجات ومصلحة الأطفال. هناك ضرورة ملحة لإعادة النظر في القوانين القائمة بما يعكس فهمًا أعمق لاحتياجات الطفل من الرعاية والحماية والاستقرار العاطفي. ينبغي للقانون أن يأخذ في الاعتبار الصحة النفسية للأطفال والبيئة الأسرية التي ينمون فيها، وأن يكون قابلًا للتطبيق بما يخدم مصلحة الطفل الفضلى.
إصلاحات مقترحة:
1. مرونة القانون: من المفترض أن يتسم القضاء بالمرونة للنظر في كل حالة على حدة، بدلًا من التمسك بقواعد جامدة تتجاهل الظروف الفردية للأطفال وأسرهم.
2. التقييم النفسي والاجتماعي: من الضروري إجراء تقييم شامل للوضع النفسي والاجتماعي للأطفال قبل اتخاذ قرارات الحضانة، بمشاركة نخبة من المتخصصين.
3. حق الطفل في السماع: ينبغي منح الأطفال الفرصة لإسماع صوتهم في المحاكم، بحيث يمكن أخذ رغباتهم في الاعتبار، خاصةً عندما يكونون في سن يمكنهم من التعبير عن مشاعرهم.
4. دعم ما بعد الحكم: يجب توفير آليات لمتابعة الحالة العاطفية والتعليمية للطفل بعد صدور قرار الحضانة، لضمان ألا يتأثر الطفل سلبًا بتبعات الانتقال.
بات من الواضح أن هناك حاجة ماسة لإصلاحات مدروسة في قوانين الحضانة لضمان تحقيق أفضل رعاية ورفاهية الطفل. يتطلب الأمر تحولًا في المنهج القانوني وإعادة تقييم لكيفية النظر في مصلحة الطفل، بما يتوافق مع معايير حقوق الإنسان ومبادئ العدالة. يجب أن ندرك بأن مستقبل الأطفال يتشكل تحت ظل هذه القوانين، وأن أي تأخير في إصلاحها قد يكون له تكلفة باهظة، لا تُقاس فقط بالأثر النفسي والمادي، ولكن أيضًا بالخسارة الإنسانية في الجيل القادم. علينا أن نسعى جاهدين لتحقيق هذه التغييرات بسرعة وحكمة، حفاظًا على حقوق الطفل وبناءً لمجتمع يحتضن جميع أفراده بعدالة ورحمة.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |