العدد 5897
الجمعة 06 ديسمبر 2024
banner
إدارة الموارد البشريّة ورفاهية الموظّفين... إلى أين؟
الجمعة 29 سبتمبر 2023

كلامٌ مُوَجّه إلى الأحبّة المُقْبِلين على سوق العمل أو الّذين يُفكّرون في الالتحاق بالمؤسّسات والشّركات كي يكونوا على دراية كاملة بشروط عقد العمل فيُدقّقون فيه جيّدًا قبل توقيعه. وهو كلامٌ مُوَجّه أيضًا إلى الشّركات لتُعطي مساحة يوم واحد، على الأقلّ، تسمح فيه للشّخص بأخذ العقد ودراسته، ومن ثمّ توقيعه إن وافقته البُنود والشّروط من باب براءة الذّمّة فلا تكون العقود مَفروضة فرضًا على المُقْبِلين على العمل.

 هناك نقطتان هامّتان يجب على كلّ شخص النّظر إليهما لضمان الأمان الوظيفيّ في المكان المُراد العمل فيه، وهما دور الموارد البشريّة في المؤسّسة وقوّتها من جهة، ورؤية الشّركة في ما يتعلّق برفاهية الموظّفين فيها من جهة أخرى. وهذا الأمر ينبغي أن يُوليه اهتمامًا كبيرًا كلّ من يبحث عن وظيفة جديدة وكلّ خِرّيج جامعيّ أو أكاديميّ تعب في مسيرته من أجل أن يعمل في مؤسّسة هنا أو شركة هناك طامحًا إلى تطبيق العلوم والبحوث والتّجارب الّتي اكتسبها.

فَبَعد ترك عالم الجامعة والدّراسة، والانتقال إلى عالم العمل ولا سيّما في المؤسّسات، سيُواجه الموظّف الجديد تنوّعًا في صفوف الموظّفين، وسيكون مُضطرًّا إلى التّعامل مع جنسيّات مُتنوّعة وثقافات مختلفة. وفي مواجهة هذا التّحدّي، يتوجّب على الموظّف تطبيق المعرفة الّتي اكتسبها خلال تعليمه الأكاديميّ وتطبيق سياسات المؤسّسة الّتي قد لا يكون على معرفة مسبقة بها. فيجد نفسه مُطالَبًا بإظهار أداء مُتميّز وفهم مصيره المهنيّ، دون أن يعلم تمامًا ما هي السّياسات والأنظمة الّتي يجب أن يتّبعها في مكان عمله.

نعم يجب تقدير الوضع في كثير من الأحيان بسبب نقص الفرص الوظيفيّة وزيادة معدّلات البطالة، ولكن ليس لدرجة أن يجد الفرد نفسه مُجبرًا على قبول أيّ وظيفة تُقدّم له، فقط سَعيًا وراء دخل شهريّ يسمح له بتلبية احتياجاته الشّخصيّة واحتياجات أسرته. ولكنّه لا يُدرك حجم السّلبيّات الّتي يمكن أن يُواجهها في المستقبل بسبب ضعف الموارد البشريّة في هذه المؤسّسة أو تلك الشّركة، وقد لا يُدرك أنّ الفشل في مراعاة هاتين النّقطتين الهامّتين في أيّ مؤسّسة، وغياب تقييمهم الشّفّاف والواضح، قد يكون له تأثير سلبيّ على أمانه الوظيفيّ وفي كثير من الأحيان قد يُؤدّي ذلك إلى إصابته بكثير من الأمراض النّفسيّة أو حتّى الجسديّة الّتي من الممكن أن تُكلّفه مبالغ طائلة كي يُشفى منها فيقع في ديون لا تنتهي.

وهنا نلفت النّظر إلى ضرورة العناية بالموظّفين الجدد حتّى لا يُصدَموا بالواقع المرير فيُصبح كلّ موظّف رقمًا جديدًا يُضاف إلى أرقام الموظّفين الّذين فُرض عليهم واقعهم من أجل لقمة العيش، فلا هو يستطيع التّعبير عمّا يجول في نفسه ولا هو مدرك النّهاية الّتي قد يصل إليها إذا لم ينتبه إلى سلامة صحّته النّفسيّة.

وهنا نضع بين أيدي القرّاء بعض النّقاط الّتي بإمكانها أن تُساهم في جعل الشّركات والمؤسّسات في المستوى المطلوب
والأُسس الّتي من شأنها أن تُغيّر وضع الشّركات والمؤسّسات إلى حال يُوافق التّقدّم العالميّ وهي: تثبيت معيار الصّحّة النّفسيّة والسّلامة في العمل وهو معيارISO 45003:2021 ويجب أن يُساوي نظام إدارة الصّحّة والسّلامة المهنيّة أو نظام إدارة الجودة في الشّركة ويتطلّب تنفيذ المعيار ISO 45003 التزام المنظّمة الكامل بتوفير بيئة عمل صحّيّة وآمنة ومُلائمة للصّحّة النّفسيّة.

 وفي الوقت نفسه يمكن للمُنظّمات تحسين أدائها وإنتاجيّتها من خلال دعم صحّة الموظّفين ورفاهيتهم وتعزيز بيئة العمل الإيجابيّة والابتعاد عن كلّ ما يُشوّه نفسيّات الموظّفين ويُعكّرها داخل المؤسّسات والشّركات.

وإنّ إدارة الموارد البشريّة (HR) يجب أن تتولّى مسؤوليّة علم النّفس التّنظيميّ.
علم النّفس التّنظيميّ هو فرع من علوم النّفس يُركّز على فهم السّلوك البشريّ في سياق المنظّمات والمؤسّسات. يهتمّ علم النّفس التّنظيميّ بدراسة كيفيّة تأثير العوامل النّفسيّة والسّلوكيّة على الأفراد والمجموعات داخل المنظّمات، وكيفيّة تأثير المنظّمات على سلوك الأفراد. يمكن أن يتألّف هذا الفريق من مُديري الموارد البشريّة ومُستشاري الموارد البشريّة ومُحلّلي البيانات واستشاريّين نفسيّين يعملون سويًّا لتطوير استراتيجيّات وبرامج تنظيميّة تهدف إلى تحسين أداء الموظّفين ورفاهيتهم النّفسيّة.

يعتمد دور هذا الفريق على حجم الشّركة وهيكلها، وقد يشمل مجموعة واسعة من المسؤوليّات، بما في ذلك:
1.    تحليل الاحتياجات التّنظيميّة: يقوم فريق إدارة الموارد البشريّة بتقييم احتياجات المنظّمة من حيث القوى العاملة والمهارات والسّلوك التّنظيميّ. يستخدمون أساليب البحث والاستطلاعات والمُقابلات لفهم تحدّيات المنظّمة وتحديد المجالات الّتي يمكن تحسينها من خلال تطبيق مبادئ علم النّفس التّنظيميّ.

2.    تصميم برامج التّدريب والتّطوير وتنفيذها: يقوم فريق إدارة الموارد البشريّة بتطوير برامج تدريبيّة تهدف إلى تطوير المهارات النّفسيّة والسّلوك التّنظيميّ للموظّفين. ويمكن أن تشمل هذه البرامج تدريب القيادة، وتطوير المهارات الاجتماعيّة والتّواصل، وإدارة الضّغوطات وتحقيق التّوازن بين العمل والحياة الشّخصيّة، وغيرها.

3.    دعم الصّحّة النّفسيّة ورفاهية الموظّفين: يمكن لفريق إدارة الموارد البشريّة تطوير برامج وسياسات لدعم صحّة ورفاهية الموظّفين في مكان العمل وتنفيذها. يشمل هذا الدّعم توفير خدمات الاستشارة النّفسيّة ، وتنظيم برامج للتّوازن بين العمل والحياة الشّخصيّة، وتوفير إجازات مرنة وإجازات مرضيّة مدفوعة الأجر، وتعزيز ثقافة العمل الصّحيّة والتعّاونية.

4.    إدارة الأداء والتّرْقِيات: يقوم فريق إدارة الموارد البشريّة بتطوير نُظم إدارة الأداء الّتي تُساعد في تقييم أداء الموظّفين وتحديد فرص التّرقية والتّطوّر المهنيّ. حيث يتمّ تحديد معايير الأداء ووضع خطط تطوير مستقبليّة للموظّفين الّذين يُظهرون إمكانات واعدة مع وضع نظام ان العامل او الموظف أن يمتلك القدره في تقيم أداء مشرفه او مديره المباشر  حتى كل مدير يحاسب نفسه كذلك ولا يكون مرفوع القلم عنه .
5.    بناء ثقافة التّفوّق الوظيفيّ: يسعى فريق إدارة الموارد البشريّة لبناء ثقافة تشجيع الابتكار والتّفوّق الوظيفيّ. يمكنهم تنظيم أنشطة التّعلّم والتّطوير المستمرّ، مثل ورش العمل والدّورات التّدريبيّة والمحاضرات، وتشجيع الموظّفين على تبادل المعرفة والخبرات والأفكار.

وفي الختام، وبعد كلّ ما ذُكر، نرجو من جميع المختصّين ومِمّن يهمّهم تحقيق أهداف التّنمية المُستدامة ومن الإخوة والأخوات في جميع المؤسّسات والشّركات أن تكون، من أولويّاتهم، دراسة هذه الاستراتيجيّات والبرامج الّتي تهدف إلى تحسين الأمان الوظيفيّ ورفاهية الموظّفين وتقديم أداء الدّوريّ إلى قسم الموارد البشريّة ومراقبتها ومحاسبة القائمين عليها من خلال توفير بيئة عمل صحّيّة وداعمة، وتطوير مهاراتهم وتعزيز فرص التّرقية والتّطوّر المهنيّ. وهكذا، يتمّ تحقيق التّوازن بين العمل والوضع المجتمعيّ والتّقدّم المهنيّ، مع الاهتمام بالصّحّة والسّعادة العمال والموظفين .

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية