دائماً ما يتحدث الباحثون والمعنيون بالبحث العلمي بضرورة تطوير الأنشطة والمشاريع البحثية في مراكز البحوث والجامعات ومؤسسات التعليم العالي، دون الانتباه إلى أن هذا الأمل المنشود لا يتحقق كلياً ولا حتى جزئياً لو تجاهلنا التأصيل لضرورة التفكير النقدي بدءً من مراحل الطفولة لدى المتعلمين. فالبحث العلمي والتفكير النقدي يُعدان من القدرات الأساسية التي يجب تنميتها لدى الأطفال منذ سن مبكرة، حيث تساعدهم على تطوير مهارات التفكير المنطقي والاستقصاء وحل المشكلات بطريقة علمية ودقيقة. ومن ثمَّ، فإنه لتنمية هذه المهارات لدى الأطفال، يجب البدء بتعليمهم الطرق العلمية لجمع المعلومات وتحليلها، ويمكن القيام بذلك من خلال إجراء الأبحاث البسيطة والتي تتناسب مع سن الطفل، مثل تحديد أسباب نمو النبات أو التحقق من تأثير الضوء على نمو النباتات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تنمية مهارات التفكير النقدي لدى الأطفال من خلال تشجيعهم على طرح الأسئلة والاستفسار عن الأشياء والظواهر المحيطة بهم، وفي حال لم يتمكنوا من العثور على الإجابة، فعليهم التوجه إلى الكتب والمراجع المناسبة للبحث عن الإجابة على السؤال. وعلاوة على ذلك، يمكن تنمية مهارات التفكير النقدي لدى الأطفال من خلال تشجيعهم على النقاش والحوار العلمي مع الآخرين، حيث يتمكنون من تقييم وتحليل الآراء والأفكار المختلفة والوصول إلى نتائج محددة بطريقة علمية ومنطقية. وما نحن نواجهه حالياً في مجتمعاتنا من ضعف أنشطة البحث العلمي ومخرجاته، وعدم الحصول على نتائج ملموسة عملياً، لهو بالأساس راجع إلى عدم تربية أبناءنا في المدارس على ممارسة البحث العلمي والتفكير النقدي السليم، بل نعتمد على أسلوب النقل المعرفي والتلقين والتحفيظ، ومن ثمّ استرجاع المعلومات وقت الامتحان للحصول على الدرجات، دون الالتفات إلى المهارات المعرفية الحقيقية التي اكتسبها الطفل. وبالتالي، فعندما ينضج عقل هذا الطفل الذي تربى على هذا الأسلوب في التعليم، فإنه من المؤكد لن يكون لديه أية قدرات أو مهارات بحثية أو نقدية أو ما شابه.
دعونا نربي أبنائنا بطريقة تترك لهم مساحات من الحرية والإبداع، دعونا نتوقف عن الإملاء عليهم بالمعلومات، دون التيقن من اكتسابهم لمهارات تمكنهم من تحليل وتفسير، وأيضاً نقد، هذه المعلومات. فبهذا فقط يمكن لنا أن نخلق بيئة إبداعية لها القدرة المستمرة على الخلق والابتكار. بل ودعونا نسمح لهم برفض ما نقول أحياناً، والاختلاف مع وجهات نظرنا، والاشتباك في هذا الاختلاف بالحجة والمنطق. وقتها سوف نعزز ثقتهم في أنفسهم، كمردود نفسي واجتماعي لهذه الممارسة، بالإضافة إلى المردود المعرفي والإبداعي. وذلك لأن البحث العلمي والتفكير النقدي يساعدان الأطفال على تطوير مهاراتهم العقلية والمعرفية والاجتماعية، ويحسنان من قدراتهم على حل المشكلات واتخاذ القرارات الصحيحة، ورفض الأفكار الشاذة، وهذا يجعلهم قادرين على المساهمة في بناء مجتمع يتسم بالمعرفة والازدهار.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |