العدد 5635
الثلاثاء 19 مارس 2024
banner
خولة الهاجري
خولة الهاجري
نفاق أم مجاملة ؟!
الأربعاء 07 يونيو 2023

النهاية لم تكن تشبه زيف وتملق البدايات ... لطالما شغلتني نهاية الأشياء، الأشخاص، العلاقات ! فنحن الحذرين نقتفي العقبات من خط البداية، ونتحسس الخيبة من أول لقاء، لأن الحياة لم تعد كما كانت من قبل، فقد أصبحنا في عالم لا يُرحب بسوى ما نظهره من زيف،  ولقد طغى على حياتنا المعاصرة النفاق والمجاملات التي تتجاوز الحد المعقول، ليس فقط في الحياة الواقعية بل في مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، فبات بعض الناس يلبسون الأقنعة المزيفة لإخفاء حقيقتهم غير المقبولة ونفوسهم المشوهة بمختلف النوايا والسلوك الاجتماعي السلبي.  
وَقَدْ يتساءل البعض لماذا قد يلجأ المرء إلى النفاق؟ 
من المؤكد أن دوافع ذلك السلوك تعود إلى قصور في الوعي وضعف في الشخصية أو لتحقيق مصالح ذاتية، فتجد الكثيرين يعتمدون على أسلوب النّفاق الاجتماعي، ليكون وسيلةً يصلون من خلالها إلى مبتغاهم (أي يجعلون من النفاق جسر عبور إلى احتياجاتهم بطرق غير مباشرة).
وهناك دوافع أخرى لا نجد لها تفسير! فماذا نقول عن التي تذهب إلى عرس صديقة أو قريبة وتجدها وأخريات ينتقدن الضيافة (البوفيه) وشكل العروس أو لباسها ! فنتسائل هل جاءت هذه المرأة للمشاركة في هذه المناسبة حقاً بأدب، أم جاءت مجاملة؟ 
وهل تعتبر المجاملة نفاقاً اجتماعياً أم فناً في التعامل؟
إن المجاملة العاقلة فن من فنون التعامل وهي جزء من حياتنا الاجتماعية، كما أنها ضرورية حتى لا تكون الحياة جافة، وهي تأتي حين يعطي الشخص ملاحظاته لفعل إيجابيّ، وينمّ عن تقديرٍ للشّخص الموجّه إليه الكلام أو المجاملة، لأنّه رأى فعلاً يستحقّ الثناء والإطراء عليه، ومشاركة في سعادته، ولا ضير في أن يكون الانسان دبلوماسيّاً في التّعامل مع البعض حتى وإن لم يكن يحبهم، ولكن دون زيف وإخفاء للوجه الحقيقيّ له، لأن  المجاملة المفرطة ولأغراضٍ خاصة هي مرض يقود إلى النفاق الاجتماعي، والذي هو بدون شك ظاهرة تفشت في مجتمعاتنا اليوم، وتتضح الصورة أكثر عندما نرى بأن مثل تلك العلاقات والتصرفات النفاقية تنتهي بانتهاء تحقيق الغايات الشخصية.
قد لا يرى البعض أهمية في هذا الموضوع لكن شيوع مثل هذه الظواهر يؤكد حتماً بأن هناك اختلال في منظومة القيم الأخلاقية والدينية والأمثلة كثيرة في حياتنا اليومية فقد حدثتني صدفة إحدى المعلمات عن زواجها الذي لم يَدُم طويلاً من رجلٍ ثري وتَرْكِهَا لمهنة التدريس، وكانت منزلها الفاره غالباً يمتلئ بالنساء اللاتي يغدقنها بكلمات الإطراء والمدح حتى انفصلت عن زوجها فلم تزرها إلا قلة قليلة ممن صدقن! 
وهذا شكلاً من أشكال النفاق وهناك الكثير، ولكن أخطرها ما وصل إلى حد التظاهر بالتدين (النِّفَاق الديني) وهذا النوع حدث ولا حرج فتجد المنافق ذَا شخصيتين يظهر بشخصية المتدين حينما يزور مجالس المتدينين فتجده يردد الآيات القرآنية ويكثر من التسبيح والاستغفار وحينما يزور مجالس أخرى يكون على طبيعته الفاسدة، ينم ويغتاب يأكل لحم هذا وذاك.
وهذا لا شُك فيه مرضٌ عقليٌ ونفسيّ وشعوري، فالله تعالى لا يريد للإنسان أن يعيش بهذا الشكل (ازدواجية  الشخصية) بين فكرٍ ينطلق مع الحقّ، وقلباً يتحرّك مع الباطل، وحركة تنطلق هنا وهناك، لتأخذ حقّاً من هنا وباطلاً من هناك، فالله تعالى لا يريد للإنسان أن يكون مجزّءاً كأولئك الّذين {خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً}
ولعل بعض الأسباب التي تدفع الناس لاستخدام النفاق كأسلوب حياة قد تكون بسبب طريقة التربية والبيئة التي كانت تشجعهم دائماً على الظهور بمظهر مثالي، كما أنه لم يتم غرس القيم الأخلاقية بقدر كافٍ في مراحل الطفولة المبكرة.
إننا بحاجة إلى المصداقية في التعامل، وبناء حياة قائمة على الصدق، نحتاج أن نكون على قدر عالٍ من الثّقة بما سنقوله، وأن لا نغير آرائنا كما يشتهي الآخرون، بل يجب أن نكون أناساً ذوي مبدأ وموقف ثابت، وأن نغرس القيم الأخلاقية والدينية في نفوسنا من جديد وفِي نفوس أجيالنا القادمة لنكون خير أمةٍ أُخرجت للناس.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية