العدد 5645
الجمعة 29 مارس 2024
banner
د. علي خالد بواعنه
د. علي خالد بواعنه
توظيف التفكير التصميمي في المناهج التعليمية لتعزيز مهارات التفكير العليا
الإثنين 27 مارس 2023

تواجه الفصول الدراسية والمؤسسات الأكاديمية في جميع أنحاء العالم تحديات كبيرة في عملية التصميم، بدءًا من تصميم أنظمة الجداول اليومية للمعلمين، ووصولا إلى تصميم المناهج الدراسية. كما أن التحديات التي يواجهها المعلمون حقيقية ومعقدة ومتنوعة، وبالتالي، فإنها تتطلب وجهات نظر مختلفة، وأدوات جديدة، وأساليب مبتكرة.  التفكير التصميمي هو أحد الأدوات والأساليب المبتكرة التي يمكن توظيفها في التعليم. وفي حال تم نقل التفكير التصميمي إلى المدارس والجامعات بصورة فاعلة، فإنه سيقوم بإثراء تجربة المعلمين والمتعلمين والمؤسسة التعليمية بأكملها، وسوف يعيد تأطير عملية التعليم والتعلم.
تشير العديد من الدراسات أن أكثر التحديات التي يواجهها الأساتذة تتعلق بالمواءمة بين متطلبات الحاضر والمتطلبات المستقبلية للطلبة. وقد يوفر التفكير التصميمي، الذي يأخذ بعين الاعتبار المستقبل حلولاً تتماشي مع الطريقين، وبما يساعد المعلمين على تخيل مستقبل التفكير والتعليم، في الوقت الذي يحاول القادة التربويون ومتخذو القرار جعل الفصول الدراسية في المدارس والجامعات مصادر للابتكار والإبداع. وبما أن التفكير التصميمي يتوافق مع التعلم المتمركز حول الطالب، فإنه من أهم المهارات التي يحتاج إليها المعلم في وقتنا الحاضر وفي المستقبل، حيث يستطيع المعلم من خلاله تحسين عملية التعليم ومواجهة التحديات التي يتعرض لها في بيئة التعلم، وتنمية مهارات التفكير عند الطالب، وربط التعليم بالحياة والتركيز على التطبيق العملي، وتصميم برامج إثرائية مناسبة، ويزداد هذا الاحتياج في تدريس المقررات العلمية التي تحتاج مهارات تفكير عليا، وجهد كبير، وتطبيق عملي للمعارف والمفاهيم.
التفكير التصميمي في البيئة التعليمية
تتطور احتياجات طلبة اليوم بشكل متسارع، والذي قد يفوق أحياناً التطورات التقنية التي تتنافس على جذبهم في الوقت نفسه. من هنا يعد المعلم كخبير تربوي بأنه الأقدر والأكثر اطلاعاً على الاحتياجات المتطورة والديناميكية للطلبة، مما يجعله أساس تصميم الأنشطة والممارسات التعليمية التي تحقق تلك الاحتياجات. حيث تشير العديد من الدراسات إلى أهم العوامل التي تحقق نجاح العمل التصميمي من منظور تربوي وهي:
• معرفة المستخدم: يعتمد مفهوم التفكير التصميمي على معرفة الطلبة، احتياجاتهم، رغباتهم، والتنوع فيما بينهم، والتجاوب معها جميعا. فدائماً نبدأ من وجهة نظر الطالب لأنّه لا معنى لتصميم شيءٍ لا أحد يريده.
• امتلاك الشغف تجاه ما تقوم به: ينبغي أن يمتلك الفريق – منظومة التعليم والتعلم - دائماً ما يكفي من الحرية لكي يصبح أعضاؤه شغوفين تجاه ما يفعلونه والطريقة التي ينظّمون بها أنفسهم، بهدف الوصول إلى نتيجةٍ جيدةٍ ومبتكرة، كما يمكن للتفكير التصميمي أن يساعد المعلمين والطلاب على تعلّم كيفية العمل ضمن فرق، وزرع العقلية الريادية، وإطلاق الثقة الإبداعية.
هل يحتاج المعلمون إلى التفكير التصميمي؟
الابتكار هو تغيير إيجابي، ولكي يتطور المعلم، فإن التغيير الإيجابي وأخذ خطوة إلى الأمام أمران أساسيان للتميز. يساعد التفكير التصميمي على أن يكون المعلم أكثر نجاحًا من خلال التغيير الذي يقوم به أثناء عملية التصميم، ومع الأشخاص الذين يعمل معهم على تصميم الدروس والأنشطة والبرامج المتنوعة. فاليوم هناك الكثير من المشاكل التي يواجهها التعليم، ولكن كل هذه المشاكل والتحديات يمكن أن ينظر إليها باعتبارها فرصة بالنسبة لكل من المعلم والطالب لتصميم حلول جديدة لتحسين الفصول الدراسية والجامعات على حد سواء.
باستخدام التفكير التصميمي، يقوم الاستاذ بتحسين عملية التعليم والتعلم وخلق بيئة تعليمية جاذبة. كما يمكن التواصل بشكل أفضل مع الزملاء والطلاب، وتحديد المشكلات في المناهج الدراسية، واختبار الحلول المحتملة، ومن ثم وضع خطط جديدة للمناهج. وفي النهاية يتم مشاركة الإجراءات والنتائج مع الجميع لتعزيز ثقافة الابتكار. كما يهدف التفكير التصميمي في التعليم والتعلم إلى جعل الطلبة أكثر سعادة ورضا واستقرارا من الناحية النفسية والاجتماعية من خلال حل مشاكلهم وتلبية احتياجاتهم وتحقيق رغباتهم، وإيجاد أفضل الحلول الابتكارية لتيسير حياتهم، وفي حال عدم وجود مشكلة بحد ذاتها فإنه يسعى إلى تحسين الأداء والإنتاجية وتعزيز الانتماء، كذلك يهدف إلى تطوير ممارسات التعليم والتعلم وجعلها ثقافة معمول بها بين الزملاء.
يعتبر التفكير التصميمي “تفكيرًا خارج الصندوق” لأنه يشجع على استكشاف البدائل عن طريق بناء حلول مختلفة ومبتكرة في كثير من الأحيان قد لا تفكر فيها. في الوقت نفسه، يركز على احتياجات المستخدمين "محورها الإنسان"، وبالتالي يساعدنا على معالجة المشكلة التي يعاني منها المستخدم، كما يشجع على العمل الجماعي التعاوني مستثمراً بذلك المهارات وأنماط التفكير المتنوعة لدى مختلف الأشخاص. كما يؤكد مورين كارول بأن التفكير التصميمي أسلوب تعلم يركز على تطوير الثقة الابداعية عند المتعلمين، فيما يدعو شيلي جولدمان إلى استثمار الدور الكبير للتفكير التصميمي في بناء طرق تدريس استقصائية محفزة على التعلم وتعزيز اندماج الطلبة.
يمكنك تطبيق طريقة التفكير التصميمي لحل المشكلات المعقدة من خلال اتباع المراحل الخمس على النحو الذي اقترحه معهد هاسو بلاتنر للتصميم في ستانفورد. وما يثير الاهتمام في هذا النهج هو أنه يبدأ أولاً في استخدام أساليب تفكير متباينة (التفكير التباعدي) لاستكشاف أكبر عدد ممكن من الاحتمالات، ولكنه يشجع بعد ذلك أساليب التفكير التقاربي لتجميع الحلول المحتملة. كما أن هذه المراحل الخمس ليست متتابعة دائمًا ويمكن أن تحدث بشكل متوازٍي، فهي عملية غير خطية، ويمكن تلخيص المراحل الخمس بمايلي:
المرحلة 1 – التعاطف: تهدف إلى فهم للمستخدمين واحتياجاتهم وما يهتمون به. لتحقيق ذلك، يجب الانتباه، والمشاركة (على سبيل المثال من خلال المقابلات، التعايش معهم) والتعاطف مع الناس لفهم تجاربهم، ومعرفة ماله قيمة عندهم وكذلك ما يحفزهم. كما تهدف الكشف عن المشكلات والتحديات في بيئات العمل المستهدفة.
المرحلة 2 – تعريف (المشكلة): في هذه المرحلة، يجب تحليل وتصنيف وترتيب المعلومات التي تم تجميعها في المرحلة الأولى بطريقة تسهل تحديد المشكلة التي سوف يتم معالجتها لاحقاً وبشكل أفضل.
المرحلة 3 – تشكيل الفكرة: باستخدام البيانات من المرحلة 2، يمكن البدء في اقتراح العديد من الأفكار المنطقية التي تسعى إلى حل المشكلة. هذه الأفكار هي عادة أفكار تقريبية – وتكون نتيجة العصف الذهني. ومع ذلك، يجب أن تكون أساليب صالحة يمكن أن تحل المشكلة التي يتم معالجتها. الشيء المهم هنا هو “التفكير خارج الصندوق” وتوليد أكبر عدد ممكن من الأفكار التي تشكل نموذجا مناسباً لحل المشكلة.
المرحلة 4 – عمل النموذج الأولي: خلال هذه المرحلة، يتم العمل على تصميم عدة نماذج أولية لتتمكن من استكشاف الحلول المحتملة المقترحة. وتهدف هذه المرحلة إلى الحصول على شيء يمكن مشاركته مع المستخدمين. ولذلك لا بد من المبادرة في تصميم النموذج الأولي واختباره والحكم عليه بالقبول أو الرفض. في نهاية هذه المرحلة، سيتشكل فكرة جيدة عن الحلول التي من المرجح أن تعالج المشكلة وما هي قيودها. 
المرحلة 5 – الاختبار: يتم اختبار أفضل الحلول من مرحلة النماذج الأولية في سياق المنتج الحقيقي باستخدام المصممين والمقيمين والمستخدمين الحقيقيين. هذه عملية تكرارية حيث يمكن في بعض الأحيان استخدام نتائج هذه الاختبارات لتحسين المشكلة والنماذج الأولية المقترحة. وهذا يؤدي إلى مزيد من التعديلات والتحسينات من النماذج الأولية التي يجري اختبارها، وبالتالي العودة إلى المراحل السابقة. كما يوفر الاختبار أيضًا فرصة لفهم المستخدمين بشكل أكبر لأننا نراقبهم ونشاركهم. 
التفكير التصميمي في التعليم والتعلم
يحتوي التفكير التصميمي على خمس مراحل: الاكتشاف، والتفسير، والتفكير، والتجريب، والتطوير. ففي مرحلة الاكتشاف، يقوم المصمم بالبحث عن المشكلة واكتشافها وفهمها عن طريق وضع نفسه مكان المستخدم الذي يريد استهدافه وتخيل انطباع ومشاعر ذلك المستخدم. وفي مرحلة التفسير، يقوم المصمم بتحديد التفاصيل الدقيقة للمشكلة وأبعادها والأهداف المراد تحقيقها بناء على الملاحظات والمعلومات التي تم جمعها في مرحلة الاكتشاف. أما في مرحلة التفكير فيقوم المصمم بتوليد أكبر قدر من الأفكار لحلّ المشكلة وتحسينها. وفي مرحلة التجريب، يقوم المصمم باختبار الأفكار والتعاون مع الآخرين والحصول على ردود الفعل. وأخيراً، في مرحلة التطوير، يقوم المصمم باستخلاص النتائج وتطوير الأفكار والمضي قدماً بناء على مرحلة التجريب.
بالنسبة للمعلمين، يمكن تنفيذ هذه العملية في دروس ومشاريع الفصل الدراسي لمساعدة الطلاب على إنشاء أفكارهم وابتكارها.  وهنا سيبدأ الطلاب في تعلم كيفية التكيف مع المشكلات وحلها بعد إجراء البحوث وتحليل ما اكتشفوه. وهذا بدوره سوف يعدهم لمستقبل يركز بشدة على تجربة المستخدم والحلول المبتكرة للمشاكل.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية