العدد 5666
الجمعة 19 أبريل 2024
banner
د. خديجة العويناتي
د. خديجة العويناتي
احمِ قلبك!
الثلاثاء 06 ديسمبر 2022

"كسر خاطري".."جرح قلبي".."عوّر فؤادي"..

عبارات كثيرة ومتعددة نستخدمها باستمرار ونسمعها بشكل متكرر ونظن أنها مجرد تعبيرات مجازية للألم النفسي الذي نعاني منه نتيجة الصدمات النفسية أو العاطفية من العلاقات المختلفة التي تربطنا بالآخرين، ولكن هل هذه العبارات هي مجرد ألفاظ لغوية مبالغ فيها أم أنها تحدث حقيقةً فينكسر القلب ويُجرح الشعور عندما نتألم ونُصدم عاطفياً؟؟!!
في علم النفس الطبي هناك ما يُسمى بـ"متلازمة القلب المكسور" أو (اعتلال تاكوتسوبو) وهي متلازمة ناتجة عن تفاعل الجسد مع الآلام النفسية المستمرة، حيث أن الأزمات العاطفية الحادة والمتكررة تؤدي إلى حصول ضرر جسيم في البطين الأيسر للقلب فيعاني المصاب بهذا الاعتلال من ضيق مفاجئ ومؤقت في الصدر مع صعوبة في التنفس وعدم انتظام ضربات القلب، وذلك نتيجة لزيادة النواقل العصبية المسؤولة عن الضغوط كالأدرينالين الذي يسبب بدوره انقباضاً شديداً في عضلة القلب والشرايين الكبيرة والصغيرة التي تُغذيها، الأمر الذي يُحدث ألماً كبيراً لصاحبه فيشعر حرفياً بأن هناك ما يُكسر في داخل قلبه تماماً!!
نعم، هذا بالضبط ما يحدث للقلب عندما يقوم شخصٌ آخر بإيذائه عاطفياً أو شعورياً أو جرح خاطره وإهدار كرامته والتقليل من شأنه، فقد يحدث في كثير من الأحيان أن نؤذي الآخرين بكلماتنا وتصرفاتنا ونظن أنها مجرد كلمات قيلت لا تؤذي ولا تؤثر جسدياً لأنه لا يوجد أي دليل مادي عليها كالإصابة في العظام أو الجروح في الجسم التي تؤدي إلى النزيف وخروج الدم، إلا أنه في الحقيقة هذا ما يحدث تماماً في الداخل بشكلٍ غير مرئي لأن النفس والجسد مرتبطان ببعضهما البعض، وكلما تألم الإحساس الذي لا يُرى كلما أصدر الجسد دفاعاته من خلال النواقل العصبية المختلفة بصورة سريعة ومفاجئة مما يُحدث خللاً مرئياً واضحاً على شكل صعوبات في التنفس وتسارع في نبضات القلب وانخفاض في الطاقة وآلام في الصدر وهنا نُصدق أن مشكلةً ما قد حدثت فعلاً!
وعندما تحدث هذه الكسور في داخل القلب نتيجة تعريضه أو تعرضه –سيان- للأزمات النفسية المتكررة فهل يتطلب الأمر علاجه ومداواته كما يحدث في كسر العظام أم أننا نترك الأمر للزمن حتى يهدأ الكسر ويُجبر؟ وهل يمكننا القول لشخصٍ ينزف من جرحٍ في يده دع الأمر للوقت سيداويه وسيلتئم بنفسه؟ أم أننا نسارع في طلب العلاج وأخذ المصاب للمستشفى للحصول على الدواء والحل في وقتٍ مبكرٍ وعاجل حتى لا تتفاقم المشكلة؟ 
كما تحدث تغيرات جسدية في الآلام العضوية تتطلب علاجاً معيناً والتزاماً بتعليمات الطبيب المختص حتى يعود الجسد لطبيعته، فإن النفس وآلام القلب والشعور تُحدث شروخاً عيمقة في داخل الإنسان تتطلب التدخل السريع والمبكر لعلاجها من قبل شخصٍ متخصص حتى لا تزيد وتكبر ويصعب حلها، فكلما تُرك الجرح مفتوحاً كلما تقيّح والتهب وتطلب علاجاً أصعب وتدخلاً أكثر تعقيداً. بالإضافة إلى ذلك فإننا كما ندعو في الأمراض العضوية للوقاية من مسببات الإصابة بها، فإننا كذلك في اضطرابات المشاعر والأحاسيس وآلام القلب والنفس ندعو لوقاية أنفسنا قدر الإمكان من الصدمات النفسية / العاطفية وتجنيبها انكسار القلب من خلال تحصينها باستراتيجيات وطرق المرونة والصلابة النفسية المختلفة، كما علينا أن نكون حذرين فنلتزم الرفق والرقة في التعامل مع الآخرين حتى لا نكون سبباً في كسر شعور أي إنسان وإيذائه وتعريضه للمرض أو الألم النفسي.
ولقد وُرد في الحديث عن الإمام جعفر بن محمد الصادق قوله: "..لا تُسقط من هو دونك فيُسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة، فارفعه إليك برفق، ولا تحملنّ عليه ما لا يطيق فتكسره، فإنّ من كسر مؤمناً فعليه جبره".
احمِ قلبك، وارفق بنفسك، ولا تتورط بإيذاء شعور غيرك، فتكسر قلبه!

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية