قبل سبع سنوات بدأت أقابل الناس بصفة رسمية، أفتّش عن حكاياهم وأحاول النبش في أفكارهم، ما يعينني على فهمهم قبل الجلوس إليهم والبدء في طرح الأسئلة، وكنت حريصًا على سماع القصة من أفواههم، لا أملُّ التفاصيل، وأحترم الصمت في السرد، ولا أقاطعهم إلا لحاجة.
وكثيرًا ما كنت أشعر أن رغبتي الشخصية في الحصول على المادة الصحفية أو الوثائقية المناسبة لا يتعارض مع حرصي الأخلاقي في توفير مساحة آمنة للضيف حتى ينطلق في السرد دون توقف، فإن قصص الناس تقف على أبواب ألسنتهم إلى أن يُؤذَن لهم بالحديث عنها.
وعلّمني الناس في كثير من المقابلات التي كنت جزءًا منها أنّي لن أصل إلى هدفي الخاص ما لم أحترمهم وأُحسن الظنّ بهم والاستماع لهم، وأن احترامي للأخلاق المرتبطة بالحديث معهم تمهّد الطريق لحوار ناجح يحترم الإنسان، ولا يعامله بمصلحة ذاتية تعتبره مادة يستخدمها لتحقيق مجده الشخصي.
ويستطيع الإنسان أن ينقل هذا التعامل البديهي الذي يدلّ على الاهتمام بحديث الآخرين إلى منطقة ذات قيمة أكبر عندما يفعّل مشاعره في التعاطف مع سردهم وأحداث حياتهم، ومراعاة التقلّب بين أفراحهم وأحزانهم، واستيعاب التحديات الخاصة التي اعترضت طريقهم، وتتويجه ذلك كله بحُسن روايتهم عنهم.
يحافظ هذا التعاطف على الإنسان من السقوط في فخ التعامل المصلحي البحت، فيراعي شعور الناس لأنه يعرف معاناتهم، وأن استماعه لمثل هذه القصص يعلّمه أن في أسرار الآخرين كثيرًا من الألم الذي صنع ما هم عليه الآن، وأن في روايتها أملٌ أكبر في أن يُستفاد من تجاربهم ولو بعد حين.
وأنا رجل يحبّ سماع القصص والتفنن في سردها.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |