العدد 5672
الخميس 25 أبريل 2024
banner
نوح الجيده
نوح الجيده
علاقتنا بالملل
الثلاثاء 25 أكتوبر 2022

بعد التزامٍ دام عشرين أسبوعًا، أصارع الملل مجددًا وأنا أكتب هذا النص، الذي كلّما اقترب يوم الثلاثاء أطلَّ برأسه ورفع حاجبيه ومدّ لي خيط فكرة أنسج بها ما يمكن سرده ونشره، لا يقتنع بكثرة الأعباء، ولا يسمح لي بالتملّص منه، فيما أحاول التحايل عن الاستمرارية التي وعدت نفسي بها منذ البداية.

وهذا شأن الحياة المعاصرة: إنّها تجعل شعورًا طارئًا مثل الملل سببًا كافيًا للتوقف، وتدعوك للترفيه حتى الإشباع، والانطلاق حرًّا دون قيود، وألّا تُلزم نفسك بشيء، عش هكذا خاليًا من المعاني، واستجب لصوتك الداخلي: الذي قد يضيء لك فكرة الحلم والشغف، ويحرمك معرفة الثمن الذي ستدفعه من السعي والجهد: «تعبٌ كلها الحياة». 

إلى أن صارت معاني الالتزام وتحمّل المسؤولية وتقنيات التكرار والدُربة سعيًا للإتقان في مواجهةٍ حتمية أمام طوفان غير متوقفٍ من سيولة الأفكار التي تدعو الإنسان للاستجابة لمشاعره الخاصة دون أيّ اعتبارٍ لما يمليه عليه صوت العقل في داخله، فشعورٌ هشٌّ واحدٌ بإمكانه أن يدفعنا للتسرّع في اتخاذ قرارٍ تقف عليه حياة المرء ومستقبله.

 أما ترى أنّ الملل يقتلك في كلّ وقتٍ وحين ويحرمك التأمل ولو للحظة واحدة؟ فلا تطيق الإمعان في مقطع يتجاوز العشر ثواني، فيقوم إصبعك لا شعوريًا بأخذك إلى المقطع التالي، ولا تصبر على قراءة تغريدةٍ من سطرين، فضلًا عن الاعتكاف لإنهاء كتابٍ من الجلدة إلى الجلدة.

تحوّلت المشاريع الجادة المطوّلة إلى مؤجلةٍ لوقت غير معلوم، واستبدلناها بمشاريع قصيرة المدى تغذي فينا لذةً عابرة، وسبقت سرعة الزمن حياتنا بألف شوطٍ أو يزيد، وصرنا نلهث خلفها على أمل اللحاق بها، ولن نصل، فقف يا صديقي ساعةً، وتأمّل.. ولا تجعل حياتك رهن شعورٍ طارئٍ -مثل الملل- في أن يمنعك متعة الرحلة والمسير.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .