العدد 5645
الجمعة 29 مارس 2024
banner
بدر عيسى الحاج
بدر عيسى الحاج
الخيارات المُرة لـ "كييف" وتنويع مصادر الأمن القومي الخليجي
السبت 12 مارس 2022

تعود بنا الذاكرة الى مارس 2003 عشية الغزو الأمريكي للعراق ، التي مازالت آثارها ماثلة ويدفع الشعب العراقي ثمنها (سياسيا واقتصاديا واجتماعيا) حتى اليوم، فقد كانت الذريعة امتلاك النظام العراقي آنذاك اسلحة دمار شامل، وهم يعلمون انها اكذوبة ابتكروها لتبرير الغزو ولو اعتراهم الشك نسبة 1% بوجود تلك الأسلحة لما غامروا بالغزو، وهكذا الأمر بالنسبة لأوكرانيا، لقد ارتكب صناع القرار فيها قبل ثمانية عشرة سنة خطأ استراتيجياً بالتوقيع على معاهدة لشبونه 1994 التي فُككت بموجبها الترسانة النووية لأوكرانيا والتي تضعها في المرتبة الثالثة بعد روسيا وأمريكا (بنحو 1800 رأس نووي)، مقابل حبر على ورق بتعهد امريكي لحمايتها في حال تعرضت أراضيها لتهديد عسكري، كما اغراهم الإنسياق الروسي والبريطاني في هذه القناة خلال معاهدت بودابست التي نصت المادة الثانية منها على الإمتناع عن التهديد بالقوة أو استخدامها ضد الأراضي الأوكرانية، وبدون شك ان تلك الترسانة النووية كادت أن تكون ورقة رابحة في تحجيم الخطر الخارجي عن أوكرانيا .

 

ومن المعروف أن روسيا وضعت ضوابط مع الجمهوريات السوفياتية التي استقلت بعد انهيار الإتحاد مطلع التسعينات، حيث اشترطت عدم انضمامها الى حلف الناتو فهي ترى ان تلك الجمهوريات امتداد طبيعي لجغرافيتها وحتى ثقلها الديموغرافي نسبياً، وهي اشبه بخط دفاع فاصل بين روسيا والدول الغربية، لكن الحلم الأوكراني بالإستقلال التام وتأمين وحدة أراضيها دفعها الى الحلم بالإنضمام الى الحلف ضاربة بالرؤى والمخاوف الروسية عرض الجدار، فتوجهت منذ 2008 الى تهيئة الأجواء لتحقيق هذا الهدف ونتيجة عنه غزو شبه جزيرة القرم سنة 2014 التي استولت عليها روسيا كأنبوب اختبار للأوكرانيين ومع ذلك اخطأ صُناع القرار في تقدير حجم الخطر الذي يحيط بلادهم فتحركوا نحو تحقيق هذا الهدف وصرحوا عنه مرارا حتى ازمعت روسيا على غزو واحتلال كييف والمجىء بحكومة موالية لموسكو، ومن الواضح أن زيلينسكي (خادم الشعب) الذي دخل عالم السياسة من بوابة الفن لم يعرف أن رهانه على الناتو خاسرأمام الأمن الروسي الذي يرى أن جمهورياته السابقة خط فاصل بين جغرافيته الإشتراكية والدول الرأسمالية التي تدور حول ساحته الخلفية منذ ثلاثة عقود، وأن ما نسمعه اليوم من مقاومة أوكرانية شرسة وتحطيم طائرات ومدرعات وقطع حربية روسية لا يخرج عن اطار الحرب النفسية وهي اشبه بتصريحات الصحاف التي كنا نستمتع بها إبان الغزو الأمريكي، وأن الصورة لن تتضح قبل أن تحط الحرب أوزارها .

 

لكن وبالرغم من كل ذلك فإن مما لاشك فيه أن العيون الزرقاء لا ترى أوكرانيا كالعراق أو سوريا أو افغانستان لذلك ستحشد القوى الإقتصادية وحتى العسكرية للأوكران وسوف تُفتح أبوابها الموصدة أمام اللاجئين تحت مسميات مختلفة كنازحي حرب، فالدين واحد والملامح واحدة والعدو مشتررك بالعكس تماما من الحالات الشرق أوسطية التي ينظرون لها كتهديد ثقافي وديني ويرونها أقل منهم تحضراً، وقد لا تأتي الحرب بالثمار التي ترجوها روسيا ولا تنتهي في المدة المُعلنة بل قد تكون طويلة الأمد وتتحول الى شيشان ثانية تشكل شوكة في خاصرة موسكو إلا ان حجم الدمار الذي سيلحق بكييف سيكون باهضا، ولا خيار أمام كييف سوى الإنصياع الى ارادة بوتن والتخلي عن حلمها بالزحف نحو الغرب، أو أنها تستمرفي الخيار العسكري الذي سيجعل منها سوريا أخرى، علما ان حلف الناتو لن يشكل فارقاً عسكرياً خوفاً من حرب عالمية ثالثة والتاريخ يكشف للبشرية الوجه القبيح للقرن الماضي الذي حصد اكثر من 60 مليون نفس .

 

أما دول الخليج العربي فهي أمام تحدٍ جسيم، الأول اقتصادي لتحقيق توازن في الأسواق العالمية كبديل عن روسيا في مجال الطاقة وهذا يعني ارتفاع الطلب وزيادة الأسعار وبالتالي طفرة مالية لهذه الدول، أما الثاني فهو تحدٍ أمني يدفعنا الى تنويع مصادر الأمن فامريكا التي استلمت أمن الخليج منذ نصف قرن (بعد الإنسحاب البريطاني) جُربت في افغانستان وقد رأينا انسحابها وعودة طالبان الى سدة الحكم بالحديد والنار، وكذلك رأينا موقفها في دول عربية اخرى وكيف تركتها عرضة للتمزق، علينا التفكير ملياً في عصر ما بعد النفط، ورسم سيناريوهات تضمن أمننا اقليميا .

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية