+A
A-

الموالي: التعليق الصوتي يعاني الفوضى

إن التمرد على سكون الحياة جعل منه متحركا ومواجها لكثير من جبهات الحياة، فبعد أن بدأ حياته العملية في عالم كان وليدًا حديثًا، وهو تقنية المعلومات والشبكات والحاسب الآلي في آواخر التسعينات حتى منتصف الألفية، قاده بعد ذلك حب الخطابة واللغة وجمال الحجاج فيها إلى البدء في دراسة الحقوق حتى العام 2011، واستقر به التمرد وقادته الحركة الدائمة إلى الوقوف على عالم التعليق الصوتي والدوبلاج الذي وجد فيه مساحة لم تزدحم بعد بالمحاولين حتى، وفي فبراير من العام 2018 شق طريقه بمنهجيته الخاصة حتى مكنته من الإمساك رحلة التدريب بزخم مازال ينبض بالحيوية والاستمرارية والنتائج الملفتة، في البحرين وغيرها من الدول، معنونًا هذه الحركة بـ “فن وهب الحياة للنص”. المعلق والمدرب الصوتي محمد الموالي كان له هذا اللقاء مع “مسافات البلاد”:

* في مقابل افتقار المكتبة العربية لمصادر تتحدث عن التعليق الصوتي، كيف استطعت تكوين هذه المنهجية ؟

قبل الإجابة، تجدر الاشارة إلى أن هناك منهجيات يمكن أن تلتمس قوتها في حركة صاحبها الصوتية، وأعني بذلك المعلقين الصوتيين الذين يمارسون عملية التعليق الصوتي باحترافية، ولكن لم يصيغوا هذه القوة والتجربة في صورة منهجية مكتوبة، وهم قلة، لهذا السبب كان هناك انعدام تام لوجود المنهجيات الخاصة بفن التعليق الصوتي، في مقابل الكثير من المصادر الغنية بالمعارف الخاصة بأصوات اللغة، وبعضها يمتد لأكثر من ألف سنة، ولقد اعتمدت في بناء منهجيتي الخاصة بالتعليق الصوتي والدوبلاج على ثلاث ركائز أساسية: أولها الممارسة الفعلية للتعليق الصوتي على امتداد سنوات، وما أقع فيه أنا شخصيا، وما يقع فيه معظم المتدربين من أخطاء أثناء الأداء، والبحث عمّا يعالجها ويضمن تمكينها من خلال إقرار جملة من المفاهيم والأسس والقواعد والممارسات والتمارين، والركيزة الثانية هي اختبار جادٌّ وفِعليٌّ لكل القواعد وأساليب التدريب وتمارين تحسين وضبط الأداء على المستوى الشخصي وعلى كل المتدربين. أما الركيزة الثالثة، فهي حصيلة دراسة وتحليل المدارس والتجارب المحترفة للمعلقين الذين خضت معهم الكثير من الدورات والنقاشات والتي لا تزال مستمرة، وأعتقد بأن صياغة التجربة في التعليق الصوتي لابد أن تؤخذ بعناية من جانب المعلقين؛ لأن هناك حاجة لجعل هذا العلم أكثر وضوحًا وحضورًا، ولعل الأيام القريبة المقبلة تشهد طباعة كتابي “فن وهب الحياة للنص” الذي أعده خلاصة التجربة بكل أبعادها.

* تقول:”اللغة والصوت توأمان”، لماذا لا تعترف إلا باللغة العربية في التعليق؟

ليس عدم اعتراف، لابد أن نمضي في الأمر بإنصاف تام، اللهجات واقع ووسيلة حياة وتواصل عند الكثيرين ولها ضرورة حضور في بعض ألوان الأعمال الإعلامية التي لا تلمع إلا بها، وقد أفردتُ مساحة في منهجيتي للحديث عنها مع الإشارة إلى بعض الحدود الفاصلة بينها وبين حضور اللغة العربية، أهمها عبور اللغة العربية الفصيحة حدود المكان لتصل إلى أبعد نقطة في هذا العالم يمكن أن يدرك فيها شعبها اللغة العربية، بينما العامية أو الدارجة، فنطاقها محدود جدًا، والمعلق الصوتي لابد أن تكون أعماله باتساع اللغة العربية. التعليق الصوتي منظومة لغوية متصلة بصوت الحرف العربي الفصيح، وسلامة الصوت تأتي من سلامة صوت الحرف، والخلل الذي يصيب الكلام غالبًا ما يكون ناتجًا من انحراف صوت الحرف -أي مخرَجِه- جراء هيمنة الصوت العامي على الصوت الفصيح، فإذن - وهذا ما أتبناه - التعليق الصوتي هو صنيعة اللغة العربية، والقوة والموسيقى والإيقاع والحضور اللافت أوجدته هذه اللغة العظيمة، كما أنني أعارض من يغرس مفهوم التعليق الصوتي على أنه مهارات صوتية تختصر في الطبقة والمقام وغيرها من  العناصر الصوتية الفيزيائية.

* ما المعوقات التي تواجه التعليق الصوتي؟

أكبرها فوضى التعليق الصوتي الناتجة من الذين هم في مساحته، -البعض منهم طبعًا-. إن حجم الفوضى التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي من الكم مقابل القيمة الجيدة جعل المجال يمر بكثير من التعثر والتأخر وبروز قواعد ومفاهيم لا توصل المعلق إلى نهاية احترافية، بل تجعله يدور في دائرة لا تطور فيها، ويرجع هذا إلى دخول الكثير من الأشخاص في هذا المجال لمجرد الرغبة، أو أنهم وجدوا في أصواتهم خامة تميل إلى الرخامة والخشونة، فاعتقدوا أنها كافية لتجعلهم أشداء في هذا المجال، من دون أن يحاولوا تعلم المفاهيم والأسس والقواعد والمهارات التي تبني هذا الصوت بناءً سليمًا، هذا يخلق الكثير من التشتت لدى البعض، ويشكل عقبة تقف أمام معرفتهم وتقدمهم وتطور قدراتهم في علوم هذا المجال، وأنا أتعجب كثيرًا من الأشخاص الذين لا ينتظرون نضوج المهارات، ويسارعون إلى طرح أنفسهم بشكل يفوق ما هم عليه من كفاءة.

* متى يستطيع المتدرب أن يسمي نفسه معلقًا صوتيًا؟

التعليق الصوتي هو رحلة قائمة لا تنتهي، ومن أجل هذا أقول “نحن في رحلة بحث يومية دائمة عن أصواتنا”، والمتدرب حتى يصل إلى قناعة بأن الوقت قد حان ليعلن نفسه معلقا صوتيا، يحتاج أولا إلى بناء قوة النقد والتحليل والتقييم الخاص والعام، الخاص بمعنى أن يدرك جيدا كل مهارات صناعة الحياة في النص وصوتها الصحيح في صوته؛ لأن كل مهارة أداء لها صوت خاص صحيح لا يمكن قبول ما يخالف صحتها، والعام أن يترجم هذا الإدراك في تقييم وتحليل أصوات المعلقين باختلاف مستوياتهم، وهذا لا يكون إلا بالتعلم واكتساب المعرفة والتشاور والتواصل مع المختصين والتدرب المستمر، يشكل هذا الجانب تعزيز القدرات أكثر وأكثر، فتصنع معلقًا صوتيًا واعيًا مدركًا لكل تفاصيل التعليق الصوتي، وأفترض أن كل من يعتمد على صوته دون كل هذا لا يصل، يبقى حبيس مفهوم أن التعليق الصوتي هو صوت رخيم لا أكثر، وهذا ما أعارضه تمامًا؛ لأنه يدفع البعض إلى القفز على كل من تلك النقاط، ويطرح نفسه بوصفه معلقًا صوتيا محترفا، وهو في الحقيقة لا يزال في بداية البداية.