+A
A-

بين جنتين.. مرسم لبنى الأمين

تلك الحضرة البهية الوارفة الياسمين.. منذ وطأت قدماي عتباتها التي لا تشبه إلا صاحبها ولا تعكس إلاّ ظله يوم أوشكت الظلال على الأفول والانعدام

ظل أخذ يبث السلام والجمال

يصنع السؤال.. لم هذا كله؟

لم هذا التعلق بالفعل الفاتك؟

لم كل هذا الجنون؟

تحيطك العاطفة ويسيِّجك الحنان ويحنو عليك الخشب القديم بعبقه.. برائحة البحر التي ما انفكت عالقة به.. باللون المنسرب منه إليك.. من رفوف الأحلام والمعارف.

على حين غفلة أيضا ينفلت السؤال من الداخل محاولا الإمساك به كي لا يصل لأول مخارج الحروف من الحلق.

أي نوع من الفن؟ أو ما هذا الفن الذي سيصدر من امرأة مجنونة بالألوان نذرت نفسها إليه وألقت كل ما في القلب والروح عليه.

أتدارك أمري.. أرشف من نبيذ الوعي كأسا قبل السكر وأقول مرة أخرى.

أي بله يصيب الإنسان ويسكنه ويبقيه في صومعته ودون علمه.. هذي التي ستعرج به إلى ملكوت الله.. سماوات الملائكة وهم ينثرون عليه حبهم زعفران اللهو.. ويظللوه بشفيف أجنحتهم.. وأنوارهم الربانية.. وومضات الضوء الخارقة التي تتخلل الخشب البني المنسي الذي صار صليب تضرع ويم نجاة. أي بله هذا؟

مرسم يحتفي دوما بأحبائه وأصدقائه من رسامين وكتاب ومثقفين يؤمونه من مختلف بلدان العالم، يجدون فيه الفراشة بألوان قلبها وريحانه وروحها الزاهية

مرسم يحتفي بنور ألوانه كاحتفاء زرقة البحر ببياض النوارس الناصعة في تحليقها الواثق.. الراكز وكأنها تنشد انعكاس الضوء من جسدها الخفيف على السطح الشفيف.

مرسم اجتمعت فيه الأحبار والكتب والخشب البني القديم، يا من زاره ذات يوم، هل تتذكره؟ ودفاتر العمر والأحلام وحب الأصدقاء وشموع الليل مظللة بالألوان وأضواء الشباك، ورقة القلب وروح الطفولة التي مازالت محافظة على عفويتها وطهارتها، هل لك أن تستعيد شريط لحظات الضحك والسعادة. مرسم يعيد هندسة الفوضى الجميلة بحكمة الرسام، وكأن تلك السنين ومضة ضوء شقت درب انطلاقها دون أن يراها أو يشعر بها أحد.

هل تذكرين يا صديقتي لبنى نقاشاتنا حول الفن؟ والأفكار والخطط  التي كنا نتداولها وقتذاك والتي أسفرت عن مشاريع معارضنا المشتركة/جبار ولبنى وعباس/ التي أقمناها في الأردن والقاهرة وألمانيا وباريس، ثمة طقس خاص بذاك المرسم لا يعرفها إلاّ من تعوّد على ارتياده.

ثمة حميمية أشتاق لها باستمرار تقول: جئت إلى المرسم الجديد 2009 مزهوة به، لكن قلبي معلق هناك، حين قررت الانتقال إلى المرسم الجديد أول الأفكار التي وردت في بالي هم أصدقائي الفنانين الذين سيكبرون ولن يسعفهم سنهم أمثال عباس يوسف على الوصول إلى المرسم مرتقين سلم البيت العادي، فأول خطط تصميم هذا المرسم كان ضرورة وجود المصعد الكهربائي، قالتها وهي ضاحكة. تكبر.. تتوسع المراسم.. ونحن نهرم يا صديقتي لبنى.

يقول صديقي ماي الورد: هنا يأتلف اللون والحرف، الكتاب والموسيقى، التصوف والفلسفة، الحب والمعرفة. أضخم شرح لفصوص حكم ابن عربي تعرفت عليه هنا، صوت (شماميان) سمعته لأول مرة هنا، الفرق بين الأحمر المغلق والأبيض المفتوح نسجنا حكايته الساخرة هنا، تاسوعيات أفلوطين فتحنا مغاليق نصوصها في صباحات هذا المحترف الذي هو شيء من مرسم وصومعة وزاوية وخانقاه وقدس أقداس مترع بالحب والصداقة”. صورة بانورامية للمرسم القديم وطقسه الخاص بمريديه مازالت ماثلة أمام عيني كلما أزورها في مرسمها الحالي.

 

بقلم: الفنان عباس يوسف