السلوم للمتعسر: لا تنحرج.. البحار: مدينون يكذبون.. خلف: وقف الملاحقات.. السيد: تجنب التصفية
قانون الإفلاس الجديد .. طوق نجاة للمتعثرين
استبدلت مملكة البحرين في العام 2018 قانون الإفلاس الصادر العام 1987 بآخر جديد كليا، هدفه إعادة تنظيم ديون المستثمرين المتعثرين لتجنب إشهار إفلاسهم وخسارة أصولهم لقيمتها المادية ومساعدتهم لاستمرار أعمالهم. وفرض القانون الجديد إجراءات لحمايتهم وتجاوز تلك الديون ليقف التاجر “على رجله” مجددا وبأقل الخسائر بعد تسديد ديونه المتراكمة، والتي لم تسعفه ظروفه الاقتصادية أو سوء إدارته على دفعها لمستحقيها.
وكفل القانون الجديد، الذي لن يطبق على القضايا القديمة، التوازن بين تصفية أموال المدين وإعادة تنظيمها، بتحصيل الديون المضمونة وتشجيع الاستمرار بعمل المنشأة لصالح عمالها والدائنين العاديين أيضا، خصوصا مع إمكانية إعادتها للربحية، إذ أسهم بحل المشاكل المالية للمفلس لتجنب وقف تجارته؛ لزيادة قيمة ممتلكاته بدلا من الخسارة، فيكون أثره إيجابيا على السوق المحلية بدلا من مواجهته لشبح الإفلاس.
أبرز القضايا الجارية
وبغض النظر عن أن أضخم قضية طلب إشهار إفلاس تقدمت بها شركة الخليج لدرفلة الألمنيوم (جارمكو)، التي تعد منذ العام 1981 من أكبر مصانع الألمنيوم التكميلية بالشرق الأوسط، إلا أنه توجد 9 قضايا جارية أخرى.
فمن ضمن طلبات الحماية كان محل لبيع الزهور والحلويات، والذي تقلصت إيراداته بعد 9 سنوات من الربحية، فقلّص مالكه المصاريف والموظفين للنصف، وحاول جاهدا تطوير العمل لسداد الديون المتراكمة، لكنه فشل وأكد على عدم قدرته حتى على تقديم تقارير التدقيق المالي بسبب كُلفتها.
وحصر صاحب صيدلية دائنيه وعددهم 54، بينهم 7 بنوك والبقية صيدليات وشركات بيع أجهزة طبية، في حين صاحب “كوفي شوب” يطالبه قرابة 20 دائنا.
وبينت صاحبة 3 سجلات تجارية أن شقيقها تسبب بإفلاسها بعدما اكتشفت أنه غير مُلم بـ “التجارة”، كما استغل التوكيل الذي أصدرته له لإدارة سجلها الوحيد حينها واستخرج آخران باسمها ولصالحه دون علمها، ولم تستلم منه أية أرباح، ما تسبب لها بتراكم الديون، وكلما حاولت سداد دين اكتشفت آخر، فأبلغت بنهاية المطاف ضده بتهمة خيانة الأمانة.
ومن الملاحظ أن في القضايا الجارية حاليا، والبالغ عددها 10، أن من ضمن الدائنين المتضررين بأكثر من قضية إفلاس، بنكين على الأقل وشركة بيع مواد بناء.
التنفس من جديد
وقال النائب أحمد السلوم رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس النواب ورئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إن “قانون الإفلاس وإعادة التنظيم” مفعل في بعض الدول الكبرى وحقق نجاحا ملموسا بمساعدة الكثير من التجار للاستمرار في السوق.
وأشار إلى أن العبرة ليست بعدد المتقدمين أو المقيدين تحت مظلة القانون، بل في تحويل أكبر عدد من الشركات المتعثرة فعليا لشركات عاملة بالسوق، لاستعادة وضعها ومكانتها بتأجيل ديونها، والتي تثقل كاهلها، ومنحها فرصة للعمل والتنفس من الجديد في ظروف ملائمة للنجاح والإنجاز.
وأشار إلى أن الظروف التي فرضتها أزمة كورونا على السوق -على الرغم من الدعم الحكومي المقدم- سيكون لها تأثير في الفترة المقبلة؛ لأنها ظروف استثنائية وغير معتادة وسببت خسائر للعديد من الشركات والتجار على اختلاف القطاعات والمستويات، والمهم عدم شعور أصحاب الأعمال بالحرج والخشية عند الإعلان عن شركة معسرة؛ لأن الهدف هو تخفيف العبء عليهم، وليستعيدوا أعمالهم.
نقص المستندات
وذكر المحامي علي البحار أن المملكة أصدرت قانون إعادة التنظيم والإفلاس، المتوافق والمتغيرات الاقتصادية العالمية، والمنسجم مع مبدأ عدم جواز سجن العاجزين عن الوفاء بالتزامات تعاقدية، فأجاز للمحكمة وقف الإجراءات القضائية ضد المعسرين، فلا جدوى من حبسهم، ووفر للدائنين الضمانات القانونية والقضائية اللازمة لحماية حقوقهم.
وأسهم القانون في حل الصعوبات المالية لتفادي تعطيل أنشطة المدين والحفاظ على أصوله، ومعالجة ضائقته بإعادة تنظيمه وتجنب تصفيته، ووازن بين تحصيل الديون المضمونة والدائنين العاديين ممن يرغبون باستمرار المنشأة المتعثرة، خاصة مع إمكانية إرجاعها للربحية، وعزز من تنافسية الاقتصاد باستحداثه نظام إعادة التنظيم وكفالة حقوق الدائنين والمدين.
وأوضح أنه وباعتباره أمين تفليسة يواجه صعوبة بالعدد الكبير من الديون والدائنين، فيجب عليه التواصل معهم والاجتماع بهم وإشراكهم بخطة إعادة التنظيم، كما أن بعض المدينين بحاجة للاستعانة بالخبراء والمستشارين لإدارة أعمالهم وتصحيح أوضاعهم، لكن بعضهم غير قادر على تكاليفها.
وأفاد أن بعض المدينين غير متعاونين، فيتعمد إخفاء المعلومات أو يقدم بيانات كاذبة أو مضللة أو يحجب عن المحكمة أو أمين التفليسة معلومات مهمة تصّعب إدارة أعماله والإشراف عليها، إضافة لعدم قدرة المدينين على توفير الضمانات والسيولة اللازمة للنهوض بأعمالهم التجارية، ناهيك عن تقلبات السوق.
وأضاف أنه وبسبب حداثة القانون فلا توجد مبادئ أو سوابق قضائية بالقسم المتعلق بإعادة التنظيم، وأن بعض النصوص بحاجة للتفسير لتطبيقها بصورة سليمة، فضلا عن عدم وجود حسابات منتظمة لبعض المدينين ونقص المستندات والمعلومات وعدم قدرتهم على توفيرها، وأحيانا يتعسف بعض الدائنين برفض منح المدين فرصة والمطالبة بتصفيته.
استمرار المتعثرين
وأوضحت المحامية فاطمة خلف أن تعديلات قانون الإفلاس شجعت على استمرار عمل الشركات المتعثرة حال توافر التمويل اللازم لتشغيلها مجددا؛ نظرا للتأثير الإيجابي على أصحابها وعمالها والدائنين، والخدمات التي توفرها للمجتمع.
وعند عدم جدوى هذه الإجراءات يتم اللجوء لتصفية الشركة، وهنا وضع القانون ضمانة وحماية لزيادة قيمة أصول المنشأة، ببيعها بوصفها منشأة عاملة، بدلا من بيع موجوداتها في المزادات كأجزاء منفصلة، لأن ذلك ينقص قيمتها كثيرا.
وقدم القانون مصلحة عامة للاقتصاد وفرصة رائعة للمتعثرين ماليا، فأوقف ملاحقتهم ومطالبتهم قضائيا فترة زمنية؛ لينهضوا وتسير أعمالهم مجددا.
ولفتت أن تداعيات وتبعات الأزمة العالمية لفايروس (كوفيد - 19) سواء الصحية أو الاقتصادية، ألقت بظلالها بلا شك على عمل المنشآت خصوصا الصغيرة والمتوسطة، والتي لم تحرز دعما كافيا لإرجاعها لحالة الربحية.
إنقاذ التاجر
من جهتها، أفادت أستاذ القانون التجاري المساعد بجامعة البحرين منال السيد أن مملكة البحرين هدفت لإجراء تغيير جذري لمفهوم وهدف فكرة تعثر التاجر، لذا استبدلته بقانون آخر عوضا عن تعديل القديم، وصرّحت أن من أهدافه الرئيسة حماية أصول التفليسة وزيادة قيمتها وتجنب تصفية أموال المدين.
وسعى المشرّع لإنقاذ مشروع التاجر بدلا من وقف نشاطه، الذي يصب بمصلحة التاجر المدين والدائنين واقتصاد الدولة، فالسعي للنهوض بنشاط المستثمر واستمراره له العديد من المميزات أهمها دعم التجار المتعثرين وموازنة ذلك مع الحفاظ على حقوق الدائنين، إضافة لتجنب تضخيم البطالة المترتبة على تسريح العمال، وتشجيع الاستثمار في الدولة.