+A
A-

“إشراقات مبكرة” يستعرض تاريخ تعليم البنات في البحرين

استعرض الفصل الأول من كتاب “المرأة البحرينية والتعليم.. إشراقات مبكرة وريادة وطنية”، الذي أصدره المجلس الأعلى للمرأة أخيرًا البدايات الأولى للتعليم غير النظامي للبنات، وصولا للتعليم النظامي، ومرحلة ما قبل الابتدائية، ومراحل التعليم قبل الجامعي، والتعليم الفني والمهني، والرياضة والحركة الكشفية والفنية، وجهود القضاء على الأمية وتعليم الكبار.

وحمل هذا الفصل عنوان “بزوغ فجر جديد وإشراقة شمس التعليم للبنات”، وتشير مقتطفات من هذا الفصل إلى أن التعليم النظامي الرسمي للبنات بدأ في العام (1928)، وقبل هذا التاريخ وبعده أيضًا، عرفت المرأة البحرينية طريقها إلى التعليم، سواء في الكتاتيب (المطوعيات) أو المدارس الوقفية أو الأهلية، كما عرفت البحرين مدارس الجاليات الأجنبية، وبالتوازي مع ذلك، أنشئت أول مدرسة شبه نظامية للبنات في البحرين تحت مسمى مدرسة “جوزة البلوط”، التي أقامتها الإرسالية الأميركية في العام (1899). غير أن البداية الحقيقية لقيام التعليم النظامي الرسمي الوطني في البحرين كانت في (1919)، وجاءت مع إدراك أهالي البحرين من حكام وتجار ووجهاء البلد في ذلك الوقت لأهمية العلم في حياة الشعوب وتقدمها، حيث بدأ هؤلاء في الاكتتاب لجمع تبرعات لتشييد أول صرح للعلم والمعرفة على أراضي البحرين، فكان بناء أول مدرسة نظامية في العام (1919) ثمرة مجهودات أهلية مشتركة، وهي مدرسة “الهداية الخليفية” في المحرق.

بداية التعليم النظامي للمرأة

جاء إنشاء أول مدرسة للبنات العام (1928) بمثابة حدث تاريخي، ليس في البحرين فحسب، ولكن في منطقة الخليج بأسرها، وبهذه المبادرة تحقق للبحرين الريادة إقليميًّا في التعليم النظامي الرسمي للبنات، وبعد افتتاح المدرسة بثمانية أشهر أصبحت تضم أكثر من 100 طالبة، واشتمل المنهج الدراسي على مواد القراءة والكتابة والخياطة والرسم، ولم يخضع تسجيل المتعلمات فيها إلى عمر معين، بل يتم تسجيل كل راغبة في التعلم. وكان الصف يضم الصغيرات سنًّا والكبيرات معًا.

مرحلة ما قبل الابتدائية

قامت مديرية المعارف بإنشاء صفوف للروضة منذ أوائل الأربعينات أي في العام (1942) عندما افتتحت فصلًا واحدًا للروضة في إحدى مدارس البنات الابتدائية بالمحرق، وعندما أثبت هذا الفصل نجاحًا كبيرًا تشجعت المديرية على افتتاح فصول مماثلة في المدارس الابتدائية الأخرى فيما بعد. وفي العام (1948) تم افتتاح أول مدرسة مستقلة لرياض الأطفال بالمحرق، وتم تعيين أول مديرة بحرينية لها، وكان من أهم أهدافها؛ تدريب الأطفال (من الجنسين) على استخدام حواسهم بطريقة اللعب واللهو، وتدريبهم على بعض الأعمال اليدوية التهذيبية، بجانب تزويدهم بمبادئ القراءة والكتابة والحساب.

تخريج أم مثقفة وربة بيت متعلمة

ولم تكن مسألة تعليم الفتيات تتسم بالجمود والثبات، بل كانت ديناميكية؛ إذ حرص القائمون على نظام التعليم الابتدائي على مواكبة التغييرات والتطورات العالمية، فيما يخص المناهج والنظم الدراسية، بحيث يكون المخرج النهائي لتلك المرحلة إنتاج فتاة متمكنة من العديد من المهارات والأدوات التي تمكنها من الارتقاء بحياتها ومجتمعها. ومن أبرز التطورات التي لحقت بالمناهج الدراسية والنظام الدراسي للفتيات وفقًا لمتطلبات كل فترة زمنية، فالمرحلة الأولى لتعليم البنات كان الهدف منها استقطاب أكبر عدد من الفتيات نحو المسار التعليمي؛ فلم تُفرض أي شروط لالتحاق الفتيات فيما يتعلق بالسن وغيره، إلا قدرة الفتاة الملتحقة على استيعاب الدراسة بها، ولم تكن هناك مدة محددة لانتهاء الدراسة في المرحلة الابتدائية، بل كانت مرتبطة بحفظ آيات وسور من القرآن الكريم وتعليم الفتيات مبادئ القراءة والحساب، وتزويدهن ببعض الخبرات الفنية والصحية، وقد يستمر وجود الفتاة في المدرسة 10 سنوات.

المرحلة الإعدادية

جاءت المرحلة الإعدادية لتعليم الفتيات في فترة متأخرة نسبيًّا بالمقارنة مع المرحلتين الابتدائية السابقة لها والمرحلة الثانوية التالية لها، فلم يكن للتعليم الإعدادي وجود ضمن سلم التعليم قبل الجامعي حتى أوائل الستينيات من القرن الماضي؛ حيث أضيفت فصول جديدة خاصة بهذه المرحلة إلى المدارس الابتدائية والثانوية قبل أن تصبح لها مدارس مستقلة ويقبل في هذه المرحلة كل من أنهى المرحلة الابتدائية، ففي العام الدراسي (61 - 1962) قُسم التعليم الثانوي إلى مرحلتين الإعدادية ومدتها سنتان، والثانوية ومدتها 3 سنوات، وكان هذا التعليم منذ نشأته عامًا للجميع، ونظامه موحد بين البنين والبنات، وأهدافه تتمثل في إعداد التلميذات لما يمكنهن من العمل بعد تدريب مهني أو إلى مواصلة الدراسة في المرحلة الثانوية العامة.

المرحلة الثانوية

مع دخول النصف الثاني من القرن العشرين وبعد 10 سنوات من تدشين مدرسة البنين الثانوية في (1940)، تفاعلت عوامل كثيرة داخل الحياة البحرينية الاجتماعية والاقتصادية، فعدد الطالبات بدأ يتزايد والإقبال على التعليم صار أكبر وموقف الأهالي بدأ يتغير، مما استدعى إحداث تغييرات جوهرية في التعليم، وكانت الخطوة الأولى الواضحة هي افتتاح قسم ثانوي للبنات في العام الدراسي (1950 - 1951) بمدرسة “فاطمة الزهراء للبنات”.

يذكر أن المجلس الأعلى للمرأة أصدر كتاب “المرأة البحرينية والتعليم.. إشراقات مبكرة وريادة وطنية”، إذ يأتي بناء على توجيهات ملكية كريمة بضرورة توثيق مسيرة المرأة البحرينية مع بزوغ فجر التعليم في البلاد، وذلك لرصد إسهاماتها في تشكيل ملامح النهضة التعليمية وتوضيح طبيعة الظروف والمعطيات التاريخية المرتبطة بخصوصية البحرين الثقافية وانفتاحها الحضاري الذي منح المرأة هذه الريادة وهذا السبق لتصل اليوم إلى موقع متقدم تعكسه المؤشرات التنموية وتؤكده الشواهد المعنوية التي تتميز بها مملكة البحرين حضاريًا وثقافيًا ومعرفيًا.