+A
A-

البحرينيون متمسكون بالعبادة رغم “كورونا”

استطاعت مملكة البحرين ولله الحمد، بفضل السياسة الإنسانية السامية لعاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وتوجيهات جلالته الحكيمة أن تقدم نموذجًا يحتذى في مواجهة جائحة كورونا التي تواجه البشرية جمعاء، وكانت للجهود الضخمة لرئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، والمتابعة الحثيثة والمعالجة السريعة والخطوات الاستباقية لولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وقيادته الدقيقة للفريق الوطني للتصدي لفيروس كورونا المستجد وما ينفذه هذا الفريق من استراتيجيات شاملة وفاعلة، أكبر الأثر في أن يحيا للمواطنون والمقيمون حياة تقترب من الحياة الطبيعية في مجالات كثيرة من مناحي الحياة وإن تأثرت جوانب أخرى، لكنها بقيت ضمن الحدود المعقولة والمقبول في ظل هذه الأزمة الإنسانية التي ضربت كيان دول متقدمة وأوقعت المئات بل الآلاف من المصابين والموتى.

وإذا كانت النواحي المادية والمعيشية يمكن قياسها وملاحظتها من خلال سلوكيات الأفراد وتحركاتهم، فإن النواحي المعنوية والجوانب الروحية يصعب قياسها أو رؤيتها في ظل ما تم اتخاذه من تدابير وقائية وإجراءات احترازية ضرورية لحماية صحة وسلامة المجتمع ومن بينها إغلاق المساجد احترازا وحفاظًا على الصحة العامة.

ومن هنا، جاءت فكرة هذا الاستبيان لأجل قياس تلك الجوانب ومدى تأثرها خلال شهر رمضان الفضيل وما يتسم به من إقبال كبير على المساجد والصلوات وقراءة القرآن وغيرها من العبادات والأعمال التي يحرص كل فرد أن يتقرب بها إلى ربه خلال هذا الشهر الكريم.

تم إجراء الاستبيان في الفترة من 12 مايو 2020 حتى 18 مايو 2020، واشتمل على أسئلة عدة يمكن من خلالها أن نخرج بانطباع عام يعكس الحالة الدينية في المجتمع، والجوانب الإيمانية لدى الناس، ومدى تأثير الجائحة عليها.

وشارك في الاستبيان 526 مشاركا، من أعمار مختلفة، وكان أكثر المشاركين من الذكور (أكثر من 80 % من المشاركين)، وهو أمر طبيعي كون الذكور هم الذين يؤدون غالبًا الصلوات الخمس في المساجد، وقد يؤثر عليهم إغلاقها.

رسم توضيحي لجنس المشاركين في الاستبيان

وتم تقسيم المشاركين في الاستبيان إلى 5 شرائح عمرية أساسية:

الشريحة الأولى: من 7 سنوات إلى سن الخامسة عشرة، وهذه المرحلة هي من سن التمييز إلى سن البلوغ غالبًا.

الشريحة الثانية: من 16 إلى 25 وهو السن المبكر من الشباب، ويتميز بالنشاط.

الشريحة الثالثة: 26 حتى 40 وهي المرحلة الثانية من مراحل الشباب.

الشريحة الرابعة: من 41 حتى ستين عامًا وهي مرحلة النضج والكمال.

الشريحة الخامسة: ما بعد الستين عامًا من عمره، وهي تمثل شريحة كبار السن.

محاور ونتائج الاستبيان

أولًا: المحافظة على أداء الصلاة مع الجماعة في المنزل:

تمثل صلاة الجماعة في المساجد شعيرة إسلامية يجتمع فيها المسلمون لأداء الصلاة 5 مرات في اليوم؛ لتحصيل الثواب، وتحقيق مصالح شرعية ودنيوية، ومع غلق المساجد للإجراءات الاحترازية، كان السؤال: هل تحافظ على أداء صلاة الجماعة في المنزل؟ وذلك بقصد معرفة مدى التزامهم بالبديل الممكن عند تعذر الأصل.

أكثر من نصف العينة (58.7 %) أكدت حرصها والتزامها بصلاة الجماعة في المنزل، وهو مؤشر إيجابي ومبشر يعكس مدى الحرص على الصلاة، وقد يرجع عدم قدرة البعض على الالتزام بالجماعة في المنزل إلى تكرر الصلوات، وانشغال أفراد العائلة، واختلاف مواعيدهم وعدم إمكانهم أداء الصلاة مع الجماعة دائمًا، وكذلك يلاحظ بأن النسبة التي لا تؤدي الجماعة دائمًا نسبة قليلة لم تتجاوز الخُمس.

علمًا أن هذه النسبة عامة في جميع الذين أجري عليهم الاستبيان دون مقارنة ذلك بحال التزامهم بأداء الصلاة مع الجماعة في المساجد في الأحوال الاعتيادية.

ثانيًا: الحفاظ على صلاة التراويح:

وحتى يتم قياس التأثر والتغيير في المحافظة على صلاة التراويح على نفس الشريحة، تم السؤال عن أداء صلاة التراويح في السنة الماضية، وعن أدائها في هذا العام، فكانت النتيجة متقاربة، إذ إن الأشخاص الذين لا يصلون التراويح في العامين لم تتغير وهي نسبة 9 % فقط، في حين انخفض الالتزام قليلًا بنسبة ضئيلة، والتي كانت في حدود 3 %، ويظهر ذلك في الرسمين البيانيين.

الحفاظ على صلاة التراويح في السنوات الماضية

ثالثا: تعويد الناشئة على الصلاة:

في سؤال وجه للمُبحوثين عن أداء الصغار فيما دون الثانية عشرة للصلاة معهم، فذكرت نسبة 60 % أن الصغار يشاركون في الصلاة، ومنهم نسبة 40 % كانت مشاركتهم بشكل دائم.

 

رابعًا: قراءة القرآن:

يحرص كثيرون على ختم القرآن الكريم مرة ومرات خلال هذا الشهر الفضيل الذي نزل فيه القرآن، وهو ما قد لا نجده في أي شهر آخر.

وعند سؤال المبحوثين عن مدى تأثر وردهم القرآني في هذه الأزمة، ذهبت الغالبية إلى أن وردها تحسن إلى الأفضل، في حين ذكرت نسبة ضئيلة إلى تراجع وردهم هذا العام، ولكل منهم أسبابه، فزيادة الورد غالبًا كان بسبب توفر الوقت والمكث في المنزل، وأما تراجعه لاعتيادهم القراءة في المسجد، في حين لم تتأثر نسبة 41 %.

 

خامسًا: متابعة البرامج الدينية وخطب الجمعة المذاعة:

ذكر نسبة 45 % أنهم لا يتابعون البرامج الدينية في رمضان، وقد لوحظ بأن النسبة الأكبر من الذين يتابعون البرامج الدينية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ بلغت نسبتهم 78 %.

وفيما يتعلق بخطب الجمعة وجدنا بأن نسبة 32 % منهم تتابع خطب الجمعة إما عبر ما ينقل عن جامع مركز الفاتح الإسلامي أو عبر خطب الحرمين.

 

سادسًا: الأعمال التطوعية البدنية والمالية:

كان رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم) أجود الناس وأجود ما يكون بالخير في رمضان فهو أجود من الريح المرسلة، وفيما يتعلق بالأعمال التطوعية البدنية يلاحظ بأن نسبة 50 % من الذين شاركوا في الاستبيان كانت لهم أعمال تطوعية في السنة الماضية وقد قلت هذه النسبة 20 %.

إلا أن الأعمال التطوعية المالية تطورت إلى الأفضل في هذا العام عند 65 % ممن شاركوا في الاستبيان، وهذا مؤشر إيجابي، يدل على الشعور بالمسؤولية المجتمعية في ظل هذه الظروف، كما هو واضح في الرسم البيان:

وعند الاستفسار عن قيامهم بالدفع الإلكتروني في ظل الإجراءات، كانت النتيجة أن نسبة 55 % منهم تبرع عبر الدفع الإلكتروني.

 

سابعًا: تأثر صلة الرحم في رمضان بالإجراءات الاحترازية:

اعتاد الناس في رمضان على عدد من أعمال البر والإحسان، ومنها صلة الرحم، ونظرًا للتوجيهات للحد من التجمعات، كان السؤال عن مدى التواصل مع الرحم الذين كان يتواصل معهم في السنوات الماضية عبر الوسائل الحديثة في هذا العام، كانت النتيجة بأن النسبة الأكبر 85 % تواصلت مع أرحامها عبر وسائل الاتصال الحديثة.

 

رؤية تقييمية

ـ إجمالا، فإن نتائج الاستبيان إيجابية وتعكس مدى تمسك المجتمع بدينه وشعائره وقيمه وأخلاقه مهما كانت الظروف والأحوال.

ـ الأسرة بخير والعلاقة الأسرية ستظل قوية بين أفراد العائلة، فالاجتماع على أداء الصلوات في جماعة لخمس مرات في اليوم هو دليل على حسن وقوة هذه العلاقة كما أنه يقويها ويدعمها ويحافظ عليها.

- لرب الأسرة دور مهم في غرس ثوابت الدين وسلوكياته في أفراد الأسرة، وتوفر هذه الظروف فرصا جيدا لاستثمار هذا الدور في تحقيق ذلك والاستفادة من الأوقات الأطول التي باتت تجمع الأسرة.

لوسائل التواصل الاجتماعي دور مهم في التوعية الدينية وهو أمر يجب أن ينتبه إليه الجميع، فالمرسل عليه أن يتقي الله فيما يقوله وينقله وأن يدقق جيدا في مادته العلمية والدينية قبل أن تنتشر بين الناس، والمستقبل منة ناحيته عليه أن يحسن اختيار من يستمع إليه وينقل عنه؛ حتى لا تشيع المعلومات الخاطئة التي تتنافى مع صحيح الدين.

ـ يجب أن يكون للإذاعة والتلفزيون دور أقوى في التثقيف والتوعية الدينية لتتفوق ما تقدمه من معلومات قيمة ودقيقة على ما قد يروج بوسائل التواصل الاجتماعي من معلومات وآراء غير سليمة وتثير البلبلة، ويمكن هنا أن نزيد من مساحة البرامج الدينية وننوع في طريقة تقديمها للمشاهد بحيث تكون جاذبة له وقادرة على إشباع نهمه للمعرفة الدينية الصحيحة.

ـ لخطبة الجمعة أهمية خاصة عند الجميع، ويمكن الاستفادة من التعلق بهذه الشعيرة، ومن الخطب التي تبث، والعمل على استمرارها.

ـ الشعور بالمسؤولية المجتمعية رغم هذه الظروف والذي يعبر عن نفسه بالإقبال على الأعمال التطوعية يفرض على الجهات الخيرية أن تزيد وتنوع من برامجها وتبدع في طرقها وأساليبها في الوصول إلى هؤلاء الراغبين في التطوع والتبرع والإسهام.