+A
A-

معارك وخطوط دفاعية في جسمك... لا تخف من “كورونا”

يجري داخل الجسم الحي من استحكامات عظيمة، وخطوط دفاعية متقنة، لا يزال العلماء ۔ علماء الحياة - يقفون أمامها اليوم حیاری، فهم لم يتوصلوا بعد إلى الإلمام بكل أسرارها العميقة، التي يعبر عنها عالم الفسيولوجيا الشهير وولتر کانوف بقوله “إنها حكمة الجسم الحي”، وهو قول يشير إلى جهل الإنسان بما هو كائن في داخله.


تلك كانت مقدمة كتاب “معارك وخطوط دفاعية في جسمك” لعبدالمحسن صالح، الصادر العام 1967 من سلسلة المكتبة الثقافية الشهيرة بمصر، وبما أننا نعيش واقع فيروس “كرونا”، لم نجد أفضل من هذا الكتاب القيم ليشرح للناس طبيعة الخطوط الدفاعية في أجسامهم، وعظمة الخالق.


يقول صالح:
تمتلك وزارة الدفاع في داخلك جنودا، على هيئة خلايا، مبدؤها البسالة والتضحية، وعددها يفوق عدد سكان الأرض أضعافا مضاعفة، وعلى وزارة الدفاع، أن تراجع قوتها الضاربة باستمرار، فإذا تناقصت عن معدلها، أعطت أوامرها العاجلة إلى مراكز إنتاج الجنود؛ لكي تصنع الملايين، وتدفع بها في تيارات الدم، فتتوزع في كل أنحاء الجسم وبهذا يبقى المخلوق دائما متحفزا لكل ما يحيط به من أخطار وبكامل قوته الضاربة التي لا تنقص ولا تزيد.


ويساعد جنود وزارة الدفاع “هيئة عظيمة للبحوث الحربية والعلمية”، التي تتواجد أيضا في جسمك، وفيها تتركز كل أسرار إنتاج الأسلحة المضادة، التي يجب أن تنتجها بواصفات دقيقة خاصة، وأمام هذه الهيئة الحكيمة، تهون كل معامل الإنسان وهيئات بحوثه، لسبب بسيط، ذلك أن الإنسان حتى الآن لا يستطيع أن يفعل مثلها، ولا هو قادر على أن يلم بمضمونها، أو يتفهم أسرارها، وكل ما قيل في ذلك، لا يزيد عن تكهنات وافتراضات ونظريات.


الخط الدفاعي الأول
وخط دفاعنا الأول “جلدنا”، إذ يفقد الملايين من هذه الوحدات يوميا، ولو سارت عملية الفقد دون تعويض لظهر الإنسان كالمسلوخ، والمسلوخ لا يقاوم ولا يعيش.. وما دام الحال كذلك، فلا بد لهذا الخط المهم من إدارة لتموين وتعبئة المزيد من خلايا جديدة، تحل محل ما راح.


ويقف خط دفاعنا الأول كبنيان رائع متجدد ممثلا في خلايا طلائية، تراصت بنظام خاص على الجلد من الخارج لكي تصبح حاجزا بين عالمين، عالم رقيق حساس من خلايا أحسامنا وعالم بربري متوحش من خلايا ميكروبية شاردة.


الخط الدفاعي الثاني
هذا الخط يمتلك قوة جبارة متجولة في الدم وقوة أخرى موزعة في أمكنة استراتيجية لا تبرحها، فأمعاؤنا مثلا محصنة تحصينا عظيما بمواقع ثابتة منتشرة كبقع دائرية صغيرة.


فإتقان الخلق وروعة البناء وجمال التنفيذ في الجسم الحي كل هذا وغيره لا يزال يجذب الإنسان إلى تأمل عميق وعبادة صامتة، فخطوط دفاعاتنا قوات رابطة، ومن اجل هذا نعيش عموما سنوات طويلة رغم أن الفيروسات والميكروبات يحومون حولنا ليل نهار.


الخط الدفاعي الثالث
انت دولة عظيمة مستقلة ببروتيناتها وأنا دولة أخرى مستقلة ببروتيناتها وكذلك زيد وعبيد، والكلب والقط والفأر، كلها امبراطوريات مختلفة لها قوانينها ونظمها وكيانها المستقل.


فهناك المناعة الفعالة وهي التي ينتجها الجسم فيمراكزه الخاصة عندما يتمكن الميكروب ويهجم، فيستفزها وينبهها، وهنا يبدأ خط دفاعنا الثالث في إنتاج الأجسام المضادة، إلا أنها عملية بطيئة لا تظهر إلا بعد أيام طويلة أو أسابيع.


وهناك المناعة المصطنعة، هي التي تقوم على خداع الجسم وحثه مقدما على إنتاج أجسامه المضادة.


ويختتم صالح كتابه القيم بالقول: هناك أسرار ضخمة كشفت ولكن ما بقي أضخم أسرارا وأعمق بحورا وأبعد منالا، وكلما ظن الإنسان انه سيتوصل إلى الحقيقة بتعمقه في أصول الأشياء، كلما تفتحت له آفاق جديدة، يكاد يغرق في بحورها العميقة، “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”.