+A
A-

عيسى بن راشد.. شاعر الإنسانية والوطنية بقواعدها وأصولها

صرير قلم وراءه أبيات رائعة، وجمال التخيل الذي يعد أعظم أركان الشعر، ونشاطا لأسمى ملكات النفس وهي الشعور أو القلب، “يا الزينة ذكريني”، “ولهان يا محرق”، “يا ذهب أصلي”، “مرار”، “مريت بسكات”، “اشقد انا ولهان”، وغيرها من الأغاني التي عكست تميز كاتبها في طريقة التفكير والعاطفة والخيال واستلهامه من التراث البحريني العظيم. إذا كان على الشعراء أن يحملوا في أمانة آلام عالمنا، ويكونوا شهودا على صراع إنسان اليوم من أجل عالم أفضل وأجمل، فهم يكفيهم عزاء أن أمانيهم لن تموت، ولسوف يغنيها أناس آخرون.


الشعر بلا الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة (رحمه الله) هو شعر بلا حب، فأبو عبدالله هو لغة الجمال وأروع من تغني بجمال العيون حينما تفرح وتضحك. هو من قال إلى العالم.. أنا شاعرك، سأقوم بدور الطبيب، فلتكن حروفي وأغاني دواء لك، فلتحمل قصائدي شفاء لك، فلتكن على أتم الصحة والعافية على الدوام، فتزداد شبابا وكمالا سنة عن أخرى. أجل، فنحن رجال الأدب والفن يجب أن نكون أطباء للحياة حتى نستحق رسالتنا.


عندما تغرد العصافير أو نری شلالات المياه، فإننا نستمتع بها ولا نسأل عن معنى هذا الجمال في الطبيعة، أي أننا نستمتع دون أي أسئلة ودون بحث عن موضوع هذا الجمال، وكذلك الحال عندما نستمع إلى قصيدة من أبي عبدالله، حيث


تبهرنا مقدرته على رسم الصور الحسية البارزة، وهو يوظفها في اقتدار للتعبير عن ما يود قوله، ولعل أبرز ما يميز قصائد أبي عبدالله هي البساطة وتأثيرها علينا وهز مشاعرنا، والبحث عن الجوهر وإبرازه نقيا خالصا بريئا كالبلور، ويسعى جاهدا إلى أدق تعبیر ممكن وأقربه إلى الطبيعة والإقناع، كما ينشد النغم المتسق، ويلون القصيدة بجرس موسيقي يوحي بالشعور الذي يحاول نقله إلى المتلقي.


كان الشيخ عيسى بن راشد (رحمه الله) يملك من الحساسية والجرأة والعفوية ما يجعله ينفرد بنوع خاص من التفكير والإنتاج الذي نعتز به، وحياته تشكل فصلا في قصة رائعة تحمل في طياتها أفراح وكفاح وطن، فقد أعطى الوطن كثيرا، وعلمنا.. أن الحياة من دون الأزهار والشعر والفنون وكل ما يهدي الجمال أو يعين على فهمه وتذوقه حياة جافة قاتلة، وعلمنا أيضا أن الفن ما هو إلا صدق التعبير عن الحياة ورسالته في التصوير الأمين والعرض الصادق للواقع كما هو.


 لقد سجل (رحمه الله) اسمه في سجل الخلود، لا في لغتنا وحدها فحسب وإنما في معظم لغات.


أول أغنية
أول أغنية كتبها (رحمه الله) كما جاء في كتاب “مشوار العمر.. عيسى بن راشد آل خليفة”من إعداد مبارك عمرو العماري وفواز سليمان” بمناسبة تكريمه في مايو 2008، كانت في الستينات، وتقول كلماتها “أسمر ولا قاني، وبضحكة حياني، من نظرة من عينه النوم جافاني” وغناها المطرب أحمد الجميري وكانت أول أسطوانة له.


أفضل المطربين
كان (رحمه الله) معجبا بصوت محمد زويد، وعايشة المرطة من الكويت، وحاضرا أحمد الجميري وإبراهيم حبيب ومحمد علي عبدالله، ومن الكويت عبدالكريم عبدالقادر، ومن السعودية محمد عبده، وطلال مداح، وابوبكر سالم.
عندما سؤول (رحمه الله) عن عزوف الشعراء الشباب “الحديثين” عن اللهجة البحرينية أجاب:


عندما يحثنا “على أيام وزارة الاعلام” عن المطربين البحرينيين، أن الكثير منهم لا يعرف التراث البحريني حتى الكبار منهم كانوا يجهلون ذلك، باستثناء قلة “إبراهيم حبيب وأحمد الجميري”. وعندما أردنا أن نسجل التراث اكتشفنا أن الشعراء الشباب بعيدون عن اللهجة الشعبية والسبب، لم يعيشوا في الفرجان ولم يختلطوا بالبسطاء ولم يحضروا الحفلات وبالتالي لم تكن خلفيتهم الشعبية قوية، ومن هنا تجد كلماتهم. نص ونص.


سجل الحياة الاجتماعية لأهل البحرين
يقول الفنان أحمد الجميري وهو أشهر من غنى للراحل. الاغاني التي كتبها لي كانت تعبر عن معاناة الإنسان البحريني في الغربة والسفر كما في أغنية “يا الزينة ذكريني” وفي الحياة الاجتماعية لدى الجيل السابق كما في “رع الوفا” و “اسف والله تغيرنا” وفي الحب العفيف كما في “نصايف الليل” و “نعن اغير”، فهو شاعر غنائي بحق استطاع من خلال الاغنية أن يسجل الحياة الاجتماعية لأهل البحرين بكل تفاصيلها.


عيسى بن راشد (رحمه الله).. نشيد الحب الهائم في آفاق الفضاء، وشاعر الإنسانية والوطنية بقواعدها وأصولها.