+A
A-

مشروع “الحزام والطريق” يشعل حرب الموانئ بالخليج

ميناءان بالبحرين بطاقة استيعابية تصل إلى 200 ألف حاوية

برنامج التحول الوطني السعودي يجعلها ضمن الأقوياء

شراكة بين الصين وباكستان بكلفة 45 مليار دولار

 

شهدت منطقة الخليج العربي سلسلة من الأحداث والتطورات السريعة وغير المسبوقة خلال السنوات العشر الأخيرة، وهي دائمًا وأبدًا محط أنظار واهتمام العالم، وذلك لأسباب عديدة، منها جغرافية وسياسية واقتصادية، وأهمها النفط والغاز، فهي تمتلك إمكانات وقدرات اقتصادية هائلة، حيث تشكّل قيمة صادرات وواردات دول مجلس التعاون الخليجي في الاقتصاد الدولي أكثر من تريليون دولار سنويًّا.

وفي 2013، بدأت ملامح نوع جديد من الصراعات تطفو على السطح بين الدول المطلة على الخليج العربي وبحر العرب، وهو صراع الهيمنة على الملاحية البحرية التجارية، خصوصاً مع ظهور منافسين جدد في المنطقة.

تلك الحرب التي دارت رحاها بما تسمى حرب الموانئ جعلت كل دولة تعد عدتها وتجيش إمكاناتها في مواجهة هذا التحدي الجديد، خصوصًا بعد ما أعلنت الصين عن مشروعها الاستراتيجي “الحزام والطريق” وتحالفها مع باكستان من خلال الاستثمار في ميناء جوادر المطل على بحر العرب.   وبحسب دراسة للباحث سلطان مساعد الجزاف، يتنافس على الملاحة في الخليج العربي ما يقارب 43 ميناء ما بين تجاري وصناعي وثانوي في 9 دول هي الكويت، المملكة العربية السعودية، البحرين، قطر، عمان، الإمارات العربية المتحدة، إيران، الهند، باكستان، ويُقدر حجم الاستثمارات في هذه الموانئ بين 100 مليار و150 مليار دولار حتى 2029، وهذا المبلغ الضخم والعدد الكبير من الموانئ كفيلان بأن يرسما شكل وحجم التنافس المستقبلي للملاحة البحرية في الخليج، فضلاً على أن جميع الموانئ قريبة بعضها من بعض، ما يجعل المنافسة بينها أكثر شراسة.

وكل الدول تسعى جاهدة لأن تحجز لها موضع قدم في أهم ممر ملاحي بالعالم، والفوز بحصة من هذه السوق العملاقة، وتعزّز موقعها الاقتصادي، وكما هو معروف من يسيطر على الموانئ الكبرى يسيطر على التجارة الدولية.

وهذا ما جعل الدول المتنافسة تبحث عن شراكات أو تحالفات تنضم إليها حتى تضمن وجودها، وعلى إثرها تشكلت تحالفات دولية بين قوى المنطقة، المحور الأول الصيني - الباكستاني وقطر، والمحور الثاني الهند وإيران والإمارات، إضافة إلى دعم القطبين التقليديين: الولايات المتحدة الأميركية تدعم المحور الهندي - الإيراني. أما القطب الآخر روسيا، فتدعم الصين وباكستان، وأيضًا هناك تقارير إعلامية تشير إلى أن روسيا عرضت على إيران استثمار ميناء بندر عباس، لكن طهران نفت ذلك.

ولم يشر الباحث إلى موانئ البحرين كجزء من المنافسة، لكنه ذكر أن المملكة تمتلك ميناءين فيما تصل الطاقة الاستيعابية نحو 200 ألف حاوية سنويًّا، وقدّر حجم الاستثمار الفعلي في موانئ البحرين بحوالي 360 مليون دولار.

وحول الموانئ المطلة على الخليج العربي، قال الباحث إن الإمارات تمتلك 12 ميناء، 3 منها تجارية، فيما تبلغ الطاقة الاستيعابية 37 مليون حاوية سنويًّا، والسعودية 9 موانئ منها 3 تجارية، والطاقة الاستيعابية 13 مليون حاوية، وسلطنة عمان 7 موانئ، 4 تجارية، فيما تصل الطاقة الاستيعابية 4 ملايين حاوية، والكويت 5 موانئ، 3 منها تجارية، وتبلغ الطاقة الاستيعابية 8 ملايين حاوية، وقطر 3 موانئ جميعها تجارية و8 ملايين حاوية، إيران ميناءين تجاريين بواقع 8.5 مليون، والعراق ميناءين واحد تجاري، وباكستان ميناء واحد تجاري.

مشروع الحزام والطريق

ما إن أطلقت الصين مبادرتها وبدأت بالخطوات العملية في سبيل تحقيق مشروع الحزام والطريق، حتى قامت الهند وإيران باتخاذ خطوات استباقية تجاه المشروع، وانضمت إليهما لاحقًا دولة الإمارات العربية، فكل دولة من هذه الدول لديها مخاوف كثيرة من المشروع الصيني- الباكستاني، وقد تعرض موانئها للخطر، فمثلاً الإمارات قد تكون الخاسر الأكبر من المشروع، ويتزايد قلقها من أن تفقد موقعها الملاحي التجاري كنقطة ترانزيت، أما الهند فيكمن تخوفها في سببين، هما: تهديد مباشر لموانئها وفقدان بعض أسواقها التجارية بالمنطقة، وثانيًا أن المشروع يمر في منطقة كشمير المتنازع عليها مع باكستان، وسوف تكون المنطقة تحت الحماية الصينية، أما بالنسبة لإيران فإن المشروع يهدد تجارتها مع أفغانستان، التي تعتمد اعتمادًا كليًّا على موانئها في وارداتها وصادراتها، وفي الوقت نفسه تطمح لان تستفيد من هذا التحالف اقتصاديًّا وسياسيًّا وتفك عزلتها الاقتصادية.

موانئ الإمارات

سيطرت الموانئ الإماراتية على الملاحة البحرية والتجارية لمدة 3 عقود طويلة من دون منافسة أو مزاحمة أي من الدول القريبة في محيطها، وتستحوذ الإمارات على نحو 60 % من التجارة وإعادة التصدير في الخليج العربي وأفريقيا والشرق الأوسط، وهي موطن لأكثر من 6400 شركة عالمية من 120 دولة (2019).

ويعود تفوّق الإمارات لأسباب عديدة منها موقعها الجغرافي في وسط الخليج، وهي أول دولة قامت ببناء ميناء وبنية تحتية وتقنية متطورة مربوطة بمنطقة حرة وخطوط مواصلات جيدة متصلة بمطارات وطرق، وكذلك الطاقة الاستيعابية الكبيرة للحاويات. وفي المقابل نجد بقية دول الخليج لم تعر أي اهتمام لهذا القطاع.

ميناء جبل علي - دبي

لدى دولة الإمارات موانئ بحرية تعتبر من المراكز الدولية والإقليمية المهمة، ويعتبر ميناء جبل علي أفضل ميناء بحري بالعالم على مدى 30 عامًا منذ أن تم افتتاحه في 1979، ويصنف بين أكبر عشرة موانئ للحاويات في العالم، وعلى مدار العقود الماضية تمكنت الإمارات من خلاله من التربُّع على عرش الملاحة وخدمات الموانئ والتجارة البحرية بالشرق الأوسط والخليج العربي، ويتبع شركة موانئ دبي العالمية المرتبطة بـ 150 ميناء حول العالم مما يساعدها في تقديم خدمات لوجيستية مميزة وقد حقق الميناء إيرادات 3.46 مليارات دولار في النصف الأول من 2019.

وتستحوذ الموانئ البحرية في الإمارات على 60 % من إجمالي حجم مناولة الحاويات والبضائع والمتجهة إلى دول مجلس التعاون الخليجي.

ويعد ميناء حمد - قطر أحدث ميناء بالخليج العربي، وهو أحد أهم مشاريع البنية التحتية الكبرى، وافتتح الميناء رسميا في 2016 كمرحلة أولى بتكلفة 7.4 مليارات دولار، وخصص له ميزانية 140 مليار دولار، وتصل طاقته إلى 6 ملايين حاوية نمطية بالسنة.

ميناء مبارك – الكويت

يأتي ميناء مبارك الكبير من ضمن خطة الكويت التنموية 2035، هو ميناء قيد الإنشاء وفي مراحله النهائية، يقع في شرق جزيرة بوبيان الواقعة شمالي الكويت، وتكلفة بناءه تقدر بـ3.5 مليارات دولار، وكان من المفترض أن تبدأ المرحلة الأولى التشغيلية في عام 2015 ولكن لظروف سياسية وفنية تأخر عن موعده، ومن المتوقع أن يبدأ العمل التشغيلي فيه خلال العام المقبل.

وحسب المخطط المستقبلي للميناء ومراحله الثلاثة سيصل عدد الأرصفة إلى 60 رصيفًا ليكون واحدًا من أكبر الموانئ في الخليج العربي.

وسوف يرتبط بسكة القطار الخليجي المقرر إقامتها في 2023 وهناك حديث وخطط لمد السكة إلى العراق وإيران.

كما تسعى الكويت لتحديث موانئها القديمة، مثل ميناء الشويخ وميناء الشعيبة.

الموانئ السعودية

تمتلك السعودية 3 موانئ تجارية تطل على الخليج العربي وهي: ميناء الملك عبد العزيز بالدمام وميناء الجبيل التجاري وميناء رأس الخير الصناعي، ولكن ظلت موانئ المملكة لسنوات طويلة بعيدة عن المنافسة، وأداؤها لم يكن يتناسب مع حجم سوقها المحلية التي تعتبر من أكبر أسواق المنطقة، مع العلم أن سكانها يشكلون 60 % من إجمالي سكان الخليج، ويعود عدم منافستها لأسباب عدة، منها عدم تركيزها على هذا القطاع، ثانيًا البنية التحتية غير متكاملة نسبيًّا وإجراءات التفتيش الجمركي طويلة نوعًا ما، إضافة إلى عدم وجود مناطق لوجيستية قريبة من الموانئ مرتبطة بخطوط مواصلات وطرق، ما جعل الطلب ضعيفا على موانئ السعودية، حيث غالبية الشركات تفضل ميناء جبل علي بسبب الكفاءة العالية والتقنية المتطورة وتوفر كل الخدمات.

ومنذ عام 2017 تنفذ خطة استراتيجية شاملة تتناغم مع أهداف «رؤية المملكة 2030» وبرنامج التحول الوطني 2020 في قطاع الموانئ، وعلى إثرها، أعلنت المؤسسة العامة للموانئ عن تطوير وتنفيذ 33 مشروعًا في مختلف موانئ المملكة بقيمة إجمالية 750 مليون دولار.

ميناء الدقم العماني

تحتل سلطنة عمان موقعًا استراتيجيًّا مميزًا على بحر العرب ومدخل الخليج العربي ولديها شبكة من الموانئ ممتدة على طول شواطئ السلطنة وهي سبعة موانئ، منها ميناء السلطان قابوس في مسقط، وميناء صلالة بظفار، وميناء الدقم في محافظة الوسطى، وميناء صحار الصناعي بشمال الباطنة، وميناء شناص بشمال الباطنة أيضاً، وميناء خصب بمسندم، ومرفأ مشنة ومصيرة. ومن أهم موانئ السلطنة هو ميناء الدقم ويحتل موقعًا استراتيجيًّا يطل على بحر العرب والمحيط الهندي، وله ميزة جيوسياسية تجعل منه أهم وأكبر ميناء بمنطقة الشرق الأوسط في المستقبل القريب.

وضخت عمان استثمارات في ميناء الدقم تقدر بـ 4.4 مليارات دولار. وتطمح السلطنة بأن تصبح مركزاً متكاملاً للخدمات اللوجستية ومتعدد الخدمات، وتكون موانئها ضمن الدول العشر الأوائل في الأداء اللوجستي على المستوى الدولي بحلول 2040 وأن يصبح قطاع النقل والاتصالات ثاني مصدر للدخل القومي للبلد.

ميناء الفاو الكبير – العراق

أخذ العراق يخطط لبناء أكبر ميناء بالخليج مرتبط بمنطقة حرة وسكة حديد وبنية تحتية من كهرباء ومنطقة حاويات ومباني خدمات. وذلك للاستفادة من موقعه الجغرافي القريب من إيران وسوريا وتركيا، وسوف تكون له أهمية كبرى للاقتصاد العراقي وممرا للبضائع بين جيرانه، إضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، ومتوقع أن يحقق إيرادات مالية كبيرة للاقتصاد العراقي. وفي الجنوب (محافظة البصرة) توجد 4 موانئ تجارية وصناعية تطل على الخليج العربي مثل أم قصر وخور الزبير والمعقل وبوأفلوس، ويتم عبر هذه الموانئ تصدير 80 % من نفط العراق.

أما ميناء الفاو الكبير المراد إنشاؤه فهو يقع في جنوب محافظة البصرة عند مصب شط العرب في الخليج العربي ووضع حجر الأساس في 2010، لكن المشروع واجه العديد من المعوقات بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية. وفي 2019 أعلنت وزارة النقل أن المشروع يحتاج إلى 3 مليارات دولار. وفي حال تم توفير الميزانية ستنتهي المرحلة الأولى بحلول 2022.

ميناء جوادر - الباكستان

يُمثل هذا الميناء شراكة بين الصين وباكستان لمدة 45 سنة، وتقدر تكاليفه بـ45 مليار دولار، وسيربط باكستان بإقليم شينجيانغ، وهو أحد أهم الأقاليم الصناعية في الصين، ومن خلاله تكون الصين قد أمّنت طريقًا آخر لضمان وصول بضائعها إلى جميع أنحاء العالم من دون أي معوقات، وكذلك تعزّز مركزها كقوة اقتصادية كبرى.

ومع انطلاق المشروع تكون الصين قد رسمت قواعد جديدة للعبة في المنطقة ككل، وأشعلت منافسة شديدة بين الدول المطلة على الخليج لاسيما الإمارات والهند وإيران.

المستفيد الأكبر من المشروع الصيني هو باكستان حيث منطقة جوادر تقع في إقليم بالوشيستان وهو إقليم نائ جدًّا وسوف يكون بالمستقبل القريب أهم مركز ملاحي وتجاري بالمنطقة والعالم وسوف يضيف قيمة مضافة كبيرة للاقتصاد الباكستاني ويجلب لها استثمارات أجنبية كبيرة تقدر بالمليارات وأولها السعودية التي أعلنت رغبتها في الاستثمار بالميناء، وكذلك قطر التي أعلنت عن رغبتها في استثمار ما قيمته 15 % بالمشروع.

ميناء تشابهار - إيران

يقع في ولاية بلوشستان جنوب شرقي إيران وقريب من بحر عمان والخليج العربي والمحيط الهندي ويبعد 72 كيلو عن ميناء جوادر الباكستاني، ويحمل ميناء تشابهار أهمية كبرى بالنسبة للدول الثلاث (الهند وإيران وأفغانستان) وسيصبح مسارًا تجاريًّا جديدًا لتبادل البضائع فيما بينها. فأهميته بالنسبة للهند كبيرة يعتبر المنافس لميناء جوادر الباكستاني وممرًّا ما بين إيران وأفغانستان وصولاً لآسيا الوسطى والشرق الأوسط وروسيا لتبادل البضائع والسلع، أما أفغانستان فهي تعتمد اعتمادًا كليًّا عليه بصادراتها ووارداتها من الحبوب والرز والسلع التي تأتي من الهند، وذلك بسبب عدم وجود منفذ بحري لها فهو الأقرب والأقل تكلفة بالنسبة لها.