+A
A-

مجلات الأطفال القديمة تحرز الانتصار النهائي على التكنولوجيا

هناك مقولة شهيرة للقاص الروسي مكسيم غوركي وهي “يجب أن نتعامل مع الطفل بجدية، ويجب على كتبنا الموجهة للأطفال أن تساعد الطفل على هضم كل ما أنتجته الثقافة الإنسانية، وفي الوقت ذاته يجب أن نتكلم مع الطفل بصيغ فنية راقية. إن طبيعة الطفل تتطلب كل ما هو غير عادي، فعلى الكاتب أن يجد هذا الشيء غير العادي في الحياة العادية”.

هناك الكثير من المنجزات والتعقيدات التي دخلت عالم أدب الطفل وجعلته يبتعد كليا عن القراءة ويتجه إلى التكنولوجيا، فقد بينت دراسات عديدة خصصت لكشف تأثير التكنولوجيا، التي نعني بها هنا مختلف وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية على الأطفال، فهي تدفع بهم إلى مزيد من القلق والاضطراب وعدم الاستقرار، وتكشف لهم في عالم مبكر تعقيد الأحوال العائلية والاجتماعية، وباختصار صعوبة الشرط الإنساني.

والحق أن معظم البرامج المبثوثة (في المواقع) تمثل خطرا كبيرا على الأطفال والكبار على حد سواء، وإضافة إلى تفاهتها فإنها تشل عقل الطفل وتجعله يبتعد عن القراءة الحقيقية التي تنمي الفكر وتنير القلب.

من هذه النقطة أريد أن أنطلق إلى القول: لقد تربت أجيال على قراءة مجلات الأطفال الشهيرة في الوطن العربي وهي كثيرة، فقد كانت تدخل البيوت على نطاق واسع ولعبت دورا كبيرا في التثقيف والمعرفة وأعطت الطفل نظريات تربوية مدروسة، وكانت بمثابة فرصة كبيرة لتعلم شؤون كثيرة ما كان ليتاح له تعلمها من دونها.

أما اليوم، ومع بالغ الأسف، تراجع دور تلك المجلات الغنية بالزاد والمعرفة وحلت مكانها “أوراق ميتة” على شكل مجلة لا تقدم الإمتاع الفكري والوجداني للطفل وصقل عبقريته، بعكس المجالات القديمة التي كانت أشبه بالجسر إلى القيم والمثل والمبادئ الحضارية والتراث، إذ كانت تنقل الطفل إلى كل ذلك بأسلوب واضح مبسط وبشكل فني جذاب.

مجلات الأطفال اليوم بلا شكل ومضمون ولا تشبع نهم أطفالنا للقراءة المفيدة في شتى موضوعات العلوم والفنون والآداب، وهذه الانتكاسة طبيعية مع دخول وقوة قبضة التكنولوجيا، التي جعلت الاهتمام بمحتوى مجلات الأطفال يقل، إن لم يكن معدوما من الأساس، وأنا شخصيا مع تخصيص صفحة مفصولة من الصحيفة اليومية للأطفال يراعى فيها نوع الورق والألوان وتوزيعها مجانا في يوم محدد، وبذلك نكون ساهمنا على أقل تقدير في هذا العصر المخيف في إلصاق طفلنا العربي بالصحيفة اليومية، ما يشجعه على المطالعة والاستفادة من مناهل الثقافة والأدب بدلا من تركه هكذا يحوم في أرض جدباء.  مجلات زمان، التي كنا نحرص على اقتنائها، تقدم معلومات مترابطة وتوسع مداركنا وتنمي المعرفة وترتفع بمستوى تذوق الفنون، على خلاف مجلات اليوم التي لا تعتني من الأساس بسلامة اللغة وصحة الأسلوب وتنوع المادة، فشخصيا كان والدي (رحمه الله) يشتري لي مجلة “أسامة” السورية، وكانت بالفعل مدرسة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

خلاصة القول، الدرس التربوي الذي تقدمه المجلة أفضل بكثير من دروس وثرثرة المواقع الإلكترونية؛ لأن المجلة قادرة على إحراز الانتصار النهائي مهما ساءت الظروف.