+A
A-

هل حان الوقت لإعلان نهاية الكاش واستخداماته؟

في عصر تطبيقات الدفع والإلكتروني والعملات الرقمية ومنصات الإقراض عبر الجوال، يبدو الحديث المتواتر عن قرب نهاية حقبة الكاش منطقيًّا، لا سيما في ظل وجود أمثلة مثل السويد التي يتراجع فيها الاعتماد على النقدية بشكل ملحوظ منذ سنوات.

في الحقيقة، يحتاج التمويل الحديث الكثير من الثقة، وحتى إذا كان التحول الرقمي هو النهاية الحتمية، فسيكون بحاجة لثقة أكبر، فعلى سبيل المثال، لاستبدال المدفوعات الإلكترونية بأخرى نقدية، يجب إقناع الناس بأن البيانات التي يتم تداولها بين الجوالات والبطاقات وشبكات “بلوك شين” له قيمة وأنها آمنة.

الحقيقة عكس ما يُعتقد

ألغت السويد تقريبًا استخدامات الدفع النقدي، وفي أميركا، حيث موطن العملة الأكثر نفوذًا في العالم، يمر الأسبوع على نحو ثلث السكان دون استخدام ورقة نقدية واحدة، وتعمل الشركات على تجربة التعاملات غير النقدية أملًا في تسريع المعاملات ومكافحة السرقة.

وفي بلد مثل بريطانيا، تعهّدت الحكومة نفسها بالحفاظ على الكاش كجزء من المستقبل، قائلة إنها ستضمن حق المواطنين في اختيار طريقة إنفاقهم أيًّا كانت، وكشفت عن خطط عمل لتحقيق ذلك بالتعاون مع المنظمين المعنيين بالأمر وبنك إنجلترا.

وترى الحكومة البريطانية أن الاعتماد على النقد آخذ في التراجع، لكن في الوقت نفسه لا تزال المدفوعات الرقمية طريقة غير ملائمة لكافة الأشخاص، مؤكدة ضرورة حماية استخدام النقود لأولئك الذين يحتاجون إليها.

في الواقع، يحتفظ الناس في العديد من دول العالم الأكثر تقدمًا (بما في ذلك منطقة اليورو واليابان والولايات المتحدة) بالكاش أكثر من أي وقت مضى، وفي أمريكا على سبيل المثال، بلغ حجم العملات المتداولة 1.76 تريليون دولار أواخر سبتمبر.

وهذا القدر الهائل من المال، يشكل 8.2 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أكثر من نسبة 5.6 % المسجلة قبل الأزمة المالية العالمية في 2008، وقرب أعلى مستوياته منذ 36 عامًا على الأقل.

ما سر هذه الزيادة؟

لكن إذا كان الناس بحاجة إلى أموال ملموسة أقل للدفع مقابل احتياجاتهم، فلماذا يريدون الاحتفاظ بالكثير منها؟ الإجابة المباشرة والواضحة إلى الآن، هي أنهم يتحولون إلى العملة كمخزن للقيمة، وهذا يبدو جليًّا إذا وضع في الاعتبار نوع الأموال التي يفضلونها.

وإنهم يميلون على نحو متزايد إلى اقتناء الفئات الكبيرة من المال مثل ورقة المائة دولار، والتي بلغ نصيبها من العملات المتداولة في الولايات المتحدة 80 % بحلول عام 2018، ارتفاعًا من 73 % خلال العقد السابق.

ويتناقض الاتجاه في العالم المتقدم بشكل واضح مع الاقتصادات الناشئة مثل الصين وروسيا والهند، حيث انخفض حجم العملات المتداولة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يطرح تساؤلا حول دوافع الناس في البلدان الغنية.

ولا شك أن احتفاظ الناس بالنقود في البلدان الغنية يرتبط بجهود البنوك المركزية للحفاظ على أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة، فعندما تكون عائدات الاستثمارات الآمنة مثل الودائع البنكية أو السندات الحكومية قليلة أو منعدمة، لن يميل المرء للتفريط في أمواله.

ويبرّر ذلك أيضًا عدم رغبة بعض البنوك المركزية في دفع أسعار الفائدة إلى ما دون الصفر، فبدلًا من إنفاق الأموال أو مراقبة المدخرات تفقد قيمتها في خزائن البنوك، سيقرّر الناس سحب أموالهم والاحتفاظ بها في المنزل.

أسباب أخرى

ومع ذلك، فإن الزيادة في الطلب على العملات المادية كانت أكبر من أن تفسرها أسعار الفائدة وحدها، ربما أيضًا يكون الأمر مرتبطًا بتعطش المجرمين للنقد، لكن لا يوجد سبب محدد للاعتقاد بأن طلبهم ازداد بشكل هائل خلال العقد الماضي.

وربطت دراسة حديثة أجراها اقتصاديان آسيويان، بين تزايد الطلب على الكاش وارتفاع أعمار السكان، حيث يبدو أن الأشخاص الأكبر سنًّا (ربما لأنهم أقل ثقة في الوسائل الإلكترونية) يميلون أكثر للاحتفاظ بالنقدية.

وهذا التحليل ربما يفسّر أيضًا سر التباين بين الاقتصادات الناشئة والمتقدمة، ففي الأولى يكون متوسط أعمار السكان أقل من نظيره في البلدان الغنية، بالإضافة طبعًا إلى ارتفاع أسعار الفائدة في الأولى مقارنة بالثانية.

وكشفت دراسة بحثية صادرة عن الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو عام 2018، أن ما يصل إلى 80 % من العملة الأميركية فئة 100 دولار المتداولة في النظام، موجود خارج الولايات المتحدة، وربما يكون نمو الطلب عليها نتيجة الاستخدام المتزايد للدولار في الاقتصادات غير المستقرة.