+A
A-

التأمين.. صناعة تواصل النمو رغم “التحديات”

“في الوقت الذي تعتمد فيه العديد من الأعمال على ازدهار اقتصاد دولة بعينها أو انتعاش الاقتصاد العالمي، فإن هذه الصناعة تبدو من تلك التي لا تتأثر كثيرًا وتواصل النمو باستمرار أيًّا كانت الظروف المحيطة” هكذا يصف أستاذ الإدارة والتسويق الشهير “فيليب كوتلر” صناعة التأمين.
وعلى الرغم من أن كافة الصناعات تتأثر بطبيعة الحال بالرواج والكساد، إلا أن دراسة لـ”هارفارد” تؤكد أن صناعة التأمين تراجعت بنسبة 8 % بين عامي 2007 و2009، وهي الأعوام التي شهدت الأزمة المالية العالمية، بسبب إفلاس العديد من عملائها، إلا أن نسبة أرباح الصناعة ظلت بلا تراجع ملموس.
انتعاش سريع
 شهد قطاع التأمين انتعاشًا كبيرًا للغاية في العقد الذي تلى الأزمة المالية العالمية، بمتوسط نمو 4.5 % سنويًّا لقطاع التأمين على الحياة، و4.2 % على قطاع التأمين التقليدي، بما أعاد الصناعة خلال عامين فحسب إلى نفس مستويات ما قبل الأزمة المالية العالمية.
ولتبيان سرعة التعافي، تشير الدراسة إلى أن البنوك احتاجت إلى 7 سنوات للعودة إلى مستويات ما قبل الأزمة المالية، بينما احتاجت العقارات عقدًا كاملاً تقريبًا، بما يؤشر لقدرة صناعة التأمين على الخروج سريعًا من أزمات تستغرق غيرها فترات طويلة.
وتضع الدراسة العديد من الأسباب وراء أهمية صناعة التأمين وعودتها للانتعاش سريعًا من أهمها:

التأمين الإجباري
 في الدول الصناعية المتقدمة كلها يكون التأمين على المصانع إجباريًّا على سبيل المثال بقوة القانون، بل وتضع القوانين في دول مثل الولايات المتحدة (بعض الولايات) وألمانيا وفرنسا نسبًا محددة على الشركات الالتزام بها كحد أدنى لمبالغ التأمين.
ضمانة للمستثمرين
من دون وجود صناعة التأمين فإن النشاط الاقتصادي – ولا سيما الصناعي والتكنولوجي - سيتراجع بنسبة 10 % - 15 % على أقل تقدير، حيث سيدفع هذا المستثمرين للإحجام عن ضخ أموالهم في العديد من المجالات ذات المخاطرة العالية، وسيدفعهم للاكتفاء بالاستثمار المباشر أو ذلك “الآمن” وسيقوض ذلك مبادرات استثمارية كبيرة.
 ضغوط المنافسة
 ففي دولة مثل ألمانيا على سبيل المثال تقوم بعض المزارع بالتأمين على أعمالها، رغم قلة المخاطر في هذا المجال، إلا أنها تقوم بهذا بسبب شيوع ممارسة التأمين لدى ما يقرب من 70 % من المزارع الكبيرة، بما يدفع الآخرين للحاق بهم في هذا المجال.

العامل النفسي
 وهو السبب وراء نشأة الصناعة من الأساس، فأصحاب رأس المال يرغبون باستمرار في ضمان عدم خسارتهم لـ “كل شيء” ووجود تعويض عن أية خسائر غير متوقعة، حتى وإن لم تكن بقيمة رأس المال المفقود بالكامل.

أسباب للنمو
وتقدر منظمة التعاون والتنمية حجم صناعة التأمين في دول العالم المتقدم (أوروبا والولايات المتحدة واليابان) بحوالي 11 تريليون دولار، وتتصدر الولايات المتحدة القائمة بـ 1.2 تريليون دولار لتعد الدولة الأضخم في العالم في حجم صناعة التأمين.
وترجع المنظمة تفوق الولايات المتحدة في هذا المجال إلى عدة أسباب، أولها الحجم الكبير للاقتصاد، وثانيها وجود تشكيلة كبيرة من القوانين التي تجبر الشركات على التأمين، وبعض تلك القوانين فيدرالية والأخرى تختص بكل ولاية، والسبب الثالث ما تصفه بـ”استقرار ممارسات التأمين” في الولايات المتحدة.
وترصد المنظمة نمو الصناعة بنسبة 4.2 % خلال 2017 حول العالم، وذلك على الرغم من عدم تحقيقها للنمو المتوقع في عدد من الدول في هذا العام، بل وشهدت الصناعة تراجعًا لافتًا في بعض الدول، مثل أستراليا التي تراجع التأمين على الحياة فيها بنسبة 15 %، غير أن الاتجاه العالمي بقي للنمو لا للتراجع.
 ويرجع هذا للعديد من الأسباب لعل أهمها انتعاش صناعة التأمين على الحياة في العديد من الدول بشكل غير مسبوق، وتأتي في مقدمة الدول التي شهدت ارتفاعًا كبيرًا في هذا المجال روسيا بنسبة 40 %، تلتها تركيا بنسبة 20 % لتقدم كل منهما دفعة ملموسة لصناعة لتأمين على الحياة.
 وشهدت الصناعة (في القطاع التقليدي وليس على الحياة) في دول نامية مثل لاتفيا وهندوراس وليتوانيا وبولندا نموًّا بين 15 % - 20 %، وهي أرقام قياسية بطبيعة الحال، كما شهدت انتعاشًا في 7 دول أخرى حققت فيها معدلات نمو بين 10 % - 15 % لتسهم في نمو عالمي كبير للصناعة بشكل عام.

 شركات عملاقة
وتأتي شركة “بيركشاير هاثاواي” في صدارة شركات التأمين حول العالم بإجمالي إيرادات 242 مليار دولار في عام 2017، تليها 15 شركة تحقق جميعًا عائدات تفوق 100 مليار دولار في العام الواحد خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة على الأقل، بما يعكس الحجم العملاق لتلك الصناعة.
وتحقق تلك الشركات الكبرى نموًا يفوق غيرها من الشركات الأصغر حجمًا، إذ تحقق في المتوسط نموًّا للعائدات 6.5 % بسبب الطبيعة العالمية لها، بما يمنحها قدرة استثنائية على الاستفادة من انتعاش بعض الأسواق حال تراجع بعضها.
وعلى سبيل المثال فإن نمو الصناعة في العديد من الدول النامية واجهه تراجع كبير للغاية في دولة مثل البرتغال فيها بنسبة 32 % خلال عام 2017، بسبب تخوف شركات التأمين الكبيرة من الخسائر المحتملة من الانغماس في اقتصاد يعاني صعوبات كبيرة.

تأمين الكوارث
وإذا ما أجرت شركة التأمين حساباتها بدقة فإنها لا تعاني خسائر أبدًا، ففي حالة المخاطر الكبيرة ترفع الشركات نسبة التأمين، والعكس بالعكس، بما يجعل الشركات في “مقعد القيادة” وقادرة على اتخاذ قرارات تعطيها أرباحًا باستمرار وليس خسائر.
 وعلى الرغم من ذلك فقد تراجعت إيرادات الصناعة في اليابان خلال عام 2017 بنسبة 8.4 % بسبب تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالعديد من المنشآت خلال زلزال “كوماموتو”، والذي وقع في 2016، بما أثر بشكل كبير على الصناعة هناك.