+A
A-

الحمدان: المسرح الخليجي تجاهل مجتمعات الأرياف

شارك الناقد البحريني القدير يوسف الحمدان في ندوة المسرح الخليجي والموروث الشعبي وذلك ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي في دورته الثالثة التي اختتمت قبل ايام، حيث قدم الحمدان ورقة بعنوان “المسرح الخليجي والموروث الشعبي.. رؤى واتجاهات واستشراقات”، وفيما يلي تنشر “البلاد” ابرز ما جاء في الورقة:

يقول الحمدان: ظل المسرح الخليجي بشكل عام منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى منتصف التسعينيات منه، أسيرا للموروث الشعبي الأدائي والحكائي بمضمونه وشكله المعهود والمتعارف عليه بوصفه المادة الخام التي يتكئ عليها هذا المسرح في معالجاته الدرامية في أغلب عروضه المسرحية، والتي يجد ضالته فيها للتعبير عن مواقفه الفكرية ورؤيته الفنية.

وقد حملت أغلب هذه العروض عناوين تدرك من خلالها فحوى المعالجة الدرامية ونتائجيتها اللتين اتكأ عليها المخرجون لهذه العروض، مثل «توب توب يا بحر»، «الغواص واليريور»، «أوه يامال»، «الوريث واللؤلؤ»، «آه يابحر»، «البوم»، و” بنت النوخذا “ و” نواخذة الفريج “ وغيرها، وكلها عروض مسرحية تحتفي بالبحر والغوص وظلم النواخذة للغاصة

وظل مخرجو هذا الزمن أسرى أيدلوجيا ضيقة، تقف عند هذا الموروث بمختلف فنونه، بوصفه فن المقهورين اجتماعيا، حتى وإن تكررت معاني ومضامين وأشكال قضاياه في أغلبها، إلا ندرة منهم تمكن من أن يولي هذا الفن ويمنحه دفق خبرته المسرحية الطويلة ورؤيته الباحثة في هذا المجال.

وعلى إثر هذا الاهتمام الخاص بحياة البحر، تجاهل المسرح الخليجي الحياة الدرامية في مجتمعات الأرياف والمجتمعات اللصيقة بالحياة الحديثة في المدن خاصة، وأصبح المسرح بسبب هذا التجاهل أشبه بالموروث الخام الذي لا يختلف كثيرا عن الموروث الموظف فيه مسرحيا.

ومع انطلاقة المهرجانات المسرحية الدولية في وطننا العربي وتحديدا في قرطاج تونس وتجريبي القاهرة، في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وانفتاح الفرق الأهلية والطليعية الخليجية عليها والمشاركة فيها، تغيرت الكثير من الرؤى المسرحية في قرائتها ومشاكستها للموروث الشعبي في بلدانها، خاصة مع توفر بعض المخرجين المسرحيين الخليجين على ورش مسرحية تعنى بقراءة الموروث الشعبي وكيفية توظيفه في العروض المسرحية، يتصدى لها أساتذة باحثون في هذا الشأن، ومعضدون برؤى حداثية وجديدة تفتح آفاقا واسعة لتعاطي هذا الموروث وبناء رؤى جديدة من داخل بناه وتضاعيفه التراثية والفنية الدقيقة.

ويضيف الحمدان “تتعضد هذه الرؤى بتقاطعاتها الفكرية والخلْقية، بتدشين سلطان الثقافة والفكر والمسرح الدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة حاكم الشارقة، راعي وداعم الوهج المسرحي الخلاق في عالمنا العربي والإسلامي، تدشينه لمهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، هذا المهرجان الذي هيأت ملتقياته الفكرية والورشية، مساحات ومناخات خصبة لاستثمار المسرحيين الخليجيين موروثاتهم الشعبية ومحاورتها برؤى جديدة من شأنها أن تطرق أبوابا عدة، ناضجة وفاعلة ومشاكسة، في أفضية الهوية ومدى انفتاحها على هويات أخرى في خارطتنا الكونية، ولعلنا لمسنا ذلك الانفتاح في تجارب مسرحية خليجية وجدت وحظيت بمن يتحاور معها من الباحثين والنقاد والمنظرين المسرحيين في هذه الخارطة، بوصفها أفقا جديدا وتيارا حداثويا يوازي في أهميته الكثير من التيارات والآفاق في عالمنا المسرحي

وانطلاقا من هذا الاهتمام المدرك والواعي لأهمية قراءة موروثنا الشعبي في مسرحنا الخليجي، لا بد وأن أشيد بالجهد الفاحص والشاخص الذي اضطلعت به اللجنة المشرفة على الندوات الفكرية في مهرجان الشارقة الخليجي المسرحي، في اختيارها محاور حيوية وعلى تماس ساخن ومؤجج مع موروثنا الشعبي الذي يكتنز بعناصر درامية تحفز الرؤية والمخيلة على اكتشاف مناطق وتخوم مهمة في عالم مسرحنا الخليجي، قلّ الوقوف عندها مليا، بل ربما أوشك أن يطمر التجاهل وجودها وهويتها.

وفي هذه السانحة البحثية، لا بد وأن أثمن الدور الذي لعبه ملهمنا وبوصلتنا نحو دروب المسرح النوعي وتعدد روافدها واشتباكاتها مع موروثنا الاجتماعي والفني، ومحاورة المسكوت عنه فيه ومدى إثراءه لهذا الموروث برؤيته الثاقبة وفكره العميق، الدكتور الشيخ سلطان القاسمي، الذي أنتج العديد من النصوص التي تتناص مع التاريخ العربي الإسلامي وتتحاور مع موروثاته وتحفر معرفيا في أعماقه، ومن بينها (عودة هولاكو) و(الحجر الأسود) و(شمشون الجبار) و(النمرود) و(الإسكندر الأكبر) و(داعش والغبراء) التي استثمرت واحتفت بفنون الصحراء مضمونا وفضاء مسرحيا، ففي صحراء الكهيف بالشارقة، كنت في مدى الدهشة والذهول والحيرة والتساؤلات، حيث (داعش والغبراء) لمؤلفها حكيم المسرح في وطننا العربي الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم شارقة الثقافة المستنيرة والفكر الخلاق في خليجنا ووطننا العربيين، ولمخرجها الفنان الإماراتي العربي المبدع المغاير والآسر محمد العامري، التي افتتح بها مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي الثاني.

ويستطرد الحمدان في ورقته..

وانطلاقا من هذه الفاتحة المشهدية في هذا المحور، سأقف على بعض التجارب المسرحية الخليجية التي أسهمت في تشكيل رؤية جديدة وباحثة لموروثنا الشعبي الأدائي.

ويتعرش الكاتب المسرحي الإماراتي إسماعيل عبدالله الذي استلهم فكر الدكتور الشيخ القاسمي ورؤيته للتاريخ والتراث، قمة هذه التجارب في أغلب أعماله المسرحية التي ألفها للمسرح وأصبحت مثار اهتمام مخرجين كثر في مسرحنا الخليجي، ليصبح الكاتب الأول الذي يستهوي المخرجون في مسرحنا الخليجي تقديم أعمال مسرحية من تأليفه، ذلك أنه كتب الموروث الشعبي الخليجي برؤية جديدة ومغايرة عن من تناوله كتابة قبله من المؤلفين المسرحيين الخليجيين

الفنان والمخرج المبدع محمد العامري الذي أشعل موروث النص برؤيته الحداثية المشاكسة والخلاقة لنصوص إسماعيل عبدالله، وتمكن من خلق لغة كوريغرافية تنبثق من رحم الموروث الشعبي.

كذلك المخرج الكويتي عبدالله العابر الذي تصدى لمسرحية “ البوشية “، ويعتبر المخرج البحريني عبدالله سويد، أحد أهم من تصدى لنصوص إسماعيل عبدالله في البحرين، خاصة في نصه “ مجاريح “ القريب الفكرة نسبيا من نص” البوشية”.