+A
A-

فخرو: أوثق التراث لتستفيد منه الأسر

حصلت الكاتبة والأديبة أنيسة فخرو على جائزة ملتقى الشارقة للراوي وحلّت ضيفة الشرف ممثلة عن البحرين في ملتقى الشارقة تحت رعاية صاحب السمو الشيخ سلطان القاسمي من 24 - 26 سبتمبر 2018. وألقت الكاتبة أنيسة فخرو الكلمة التالية:

أتقدم بالشكر الجزيل إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي أرى فيها الأمل لمستقبل الأجيال القادمة، شعاع الأمل ينبثق ويضيئ من الشارقة الحبيبة، السبّاقة دوما لحمل مشعل الثقافة بيد قائدها المخلص الكريم صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة يحفظه الله ويرعاه، كل الشكر لكم على هذا التشريف البهي، والشكر موصول إلى معهد الشارقة للتراث وإلى جميع المنظمّين والمسئولين عن هذا الملتقى الإبداعي الأصيل.

العمل التراثي بعنوان “حزاوي أمي شيخة، أحلام الطفولة”، مئة حكاية وحكاية، وهو عبارة عن أجزاء أربعة، كل جزء يحتوي على 25 حكاية شعبية، عدا الجزء الأخير فيحتوي على 26 حكاية، أي أن المجموع الكلي مئة حكاية وحكاية، على غرار العمل التراثي الخالد “ألف ليلة وليلة”.

توثيقا وحفاظا على تراثنا من الضياع، كان هدفي الأول من أجل الأجيال القادمة، والأجيال الحاضرة، ولكي تستفيد منه كل أسرة خليجية وعربية.

الراوي الأصلي هي جدتي الحاجة شيخة بنت راشد بو راشد عبدالملك (رحمها الله)، وإليها خصوصا أهدي العمل.

ولديها ابنتان الكبرى الحاجة أمينة يعقوب عبدالملك، والصغرى المربية الفاضلة السيدة نجية يعقوب عبدالملك يحفظها الله ويرعاها، ويفصل بين كل منهن حوالي عقدين من الزمان.

وتم نقل الحكايات عبر تلك الأجيال الثلاثة، أي أن النقل حدث بالتواتر.

كما استعنت بالعديد من النساء والرجال الكبار سنا، لتدوين بعض الحكايات.

إنني أقدم هذا العمل تخليدا لجدتي ولكل الجدات الطيبات وما يمثلنه من معان نبيلة، فهن الأصالة والجذور والمنهل والمحبة والعطاء والصبر، وكل شيء جميل.

إنني أؤمن تماما بالمقولة: إن كل شخص مسن يموت، تموت وتندثر معه مكتبة ثمينة بأكملها.

لقد اكتشفت من خلال هذه التجربة في تجميع وتدوين وتنقيح وصياغة الحكايات الشعبية مدى ثراء هذا النوع من الفنون بالجماليات والمضامين الإنسانية الراقية البليغة، حيث تُصّنف الأعمال التراثية ضمن الدراسات الأنثروبولوجية التي توثق حياة البشر في مرحلة معينة، وتتعرف طريقة عيشهم، ووضعهم الاجتماعي والاقتصادي.

وأهم الجوانب التي كشفت عنها الحكايات الشعبية:

أولا: الواقع الاجتماعي

نستشف الواقع الاجتماعي من خلال معيارين رئيسين، الأول الوضع الاجتماعي، والثاني العلاقات الاجتماعية التي أفرزها ذلك الوضع، حيث كانت الغالبية تعاني من العوز والفقر وشظف العيش، ويظهر الصراع الطبقي حادا وبارزا، إذ يمثل الحاكم أو الملك أو الوزير أحيانا قمة الهرم الطبقي، في حين تمثل غالبية الناس قاعه.

ثانيا: العقلية السائدة

تكشف لنا القصص الشعبية أن العقلية التي تسود تلك المرحلة كانت العقلية الخرافية، فعلى الرغم من منطقية تتابع أحداث القصة إلا أن فيها الشيء الكثير من الخرافة والاستسلام للغيبية، وأسباب ذلك تعود إلى عدم انتشار التعليم، وصعوبة الحياة يدفعهم إلى التخفيف عنها بالهروب من الواقع إلى عالم الخرافة والخيال.

ثالثا: القيم السائدة

كانت تهيمن قيم واضحة الملامح، وتظهر التناقضات بشكل بيّن، إذ يحمل الإنسان الإيجابي المبجل اجتماعيا قيم الحق والخير والجمال والعدل والفضيلة والحب والعطاء، ويحمل الشرير المرفوض اجتماعيا وأخلاقيا القيم السلبية مثل الظلم والبُغض والأنانية والرذيلة.

رابعا: العادات

تكشف الحكايات الشعبية العادات والتقاليد السائدة آنذاك، منها ما هو مستمر ودارج حتى الآن مثل العادات المتبعة في حفل الزواج ومراسيم الحناء، أو عادات قضى عليها الزمان مثل مراسيم ختم القرآن.

خامسا: موقع المرأة

على الرغم من أن الحكايات تظهر معاناة المرأة، إلا أنها تكشف لنا عن موقعها ودورها المهم، سواء كانت المرأة أما أو زوجة أو ابنة، وسواء كان دورها يحمل في جنباته كل الخير، أو يمثل الشر، فإنها هي التي تُحرّك سائر الأحداث، وهي المسبب الأول لتواتر الأحداث وترادفها.

سادسا: موقع الفنون

كانت الفنون تحظى بنظرة إيجابية كبيرة لدى الناس، وتكشف الحكايات لنا الموقع الفاعل للفنون بمختلف أشكالها السائدة آنذاك، من رقص وغناء وعزف وشعر ونثر.

سابعا: موقع اللغة العربية

كان للغة العربية مكانة كبرى بين العامة والخاصة، فلقد كان قرض الشعر متداولا بين الجميع وسلوكا يمارسه الصغير والكبير على السواء، ويتميز التعبير اللغوي بالقوة والبساطة والسهولة معا، وتبيّن أن معظم المصطلحات التي كنا نعتقدها عامية هي من صلب اللغة العربية، مما يؤكد ارتباط اللهجات العامية باللغة الأم.

ثامنا: الزمان والمكان

على الرغم من أن إحدى السمات الرئيسة للحكايات الشعبية هي عدم وجود الزمان المحدد والمكان الثابت، وهذه ميزة تضمن للحكاية الشعبية سرمديتها، إلا أن أجواء الحكايات أغلبها تدور في بيئات رئيسة ثلاث: البادية والمدينة والقرية.

وتجمع كل هذا الكم الهائل في البحرين لأسباب عدة منها: إن البحرين التاريخية الكبرى تمتد حدودها من شمال شبه الجزيرة العربية (البصرة) إلى حدود منطقة الأحساء في شرق شبه الجزيرة العربية، كما ساهم موقع البحرين الجغرافي بوصفها مركزا تجاريا مهما على مرّ العصور، حيث تُشكّل البحرين مثالا ساطعا على تزاوج وتلاحم صلات القربى فيها بين مختلف الأقطار العربية المجاورة.

تاسعا: الروح العالمية المرئية

في بعض الحكايات، أي أن القصة الشعبية تأتي طبق الأصل لحكاية عالمية، مع اختلافات طفيفة محوّرة؛ لكي تتناسب مع البيئة المحلية، وهذا يدلنا على أن جذور الثقافة الإنسانية واحدة في كل مكان، ويثبت لنا أن التواصل الثقافي الإنساني عميق بعمق الحضارة.

أخيرا نلاحظ إن كل حكاية تتمحور حول موضوع رئيس معين، ويمكن أن يتفرع عنه بعض الموضوعات الثانوية، لذلك ارتأينا كاجتهاد شخصي الإشارة إلى المقصد أوالحكمة من كل حكاية.

وكل ما أتمناه أن تدخل الحكايات الشعبية في المناهج الدراسية، وتتحول إلى مسرحيات ودراما تلفزيونية، لكي تستفيد منها كل أسرة عربية.

وختمت فخرو “نتقدم بالشكر إلى الشارقة على كرمها الغامر، الذي جاء من أعلى القيادات العربية مكانة وعلوا وشرفا، من سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة يحفظه الله ويرعاه، وعسى الله أن يوفقكم ويسدد خطاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.