+A
A-

“كفرناحوم” صدم الناس

“كفرناحوم” ليس فيلمًا قُدّمت قصته إلى العالم من أجل الفن فقط، بل بهدف تغيير الواقع والتصدي لظاهرة هي بمثابة قنبلة موقوتة تنذر بكارثة مستقبلية. لطالما اتسم اللقاء معها بالإنسانية والفن، بالغضب الذي تفرغه في أعمالها وتنتقد فيه عالمًا يغض الطرف عن مسؤولياته، عن أطفال استُغلوا وظُلموا وضُربوا، سُلبوا حقوقهم في العيش بأمان، حقوقهم في النوم والعلم والإحساس بطعم الطفولة.  “كفرناحوم” هو فيلم تسعى من خلاله المخرجة اللبنانية نادين لبكي إلى أن تجد حلولًا لكل طفل وعائلة شاركت معها في الفيلم، وصولًا إلى تعديل القوانين، وتؤكد أن أحداثه أقوى من مليون خطاب سياسي. المخرجة اللبنانية نادين لبكي في حوار مع لها حديثا:

ما الهدف من “كفرناحوم”؟ وهل توقعتِ أن يحقق كل هذا النجاح؟

الهدف من الفيلم هو أن يُحدث صدمة لدى الناس، فهم متأكدون من تفشّي ظاهرة أطفال الشوارع، لكن عندما تسلّط السينما الضوء على قضية معينة وتناقش حيثياتها على الشاشة الكبيرة، تأخذ منحى آخر. أعرف أن السينما تؤثر في المجتمع وفي أسلوب تفكير أفراده، لذا كان من الضروري أن أركّز على هذه القضية وأهتم بتصوير أدق تفاصيلها؛ لكي تُحدث ردود فعل عند جمهور المشاهدين. لم أصوّر فيلم “كفرناحوم” بهدف تقديم عمل جديد فقط، بل سعيت من خلاله إلى فتح نقاش جاد وإيجاد حلول. كلنا غاضبون ولكن الغضب وحده لا يكفي. على الصعيد الشخصي، كنت أقول ماذا عساي أن أفعل، فأنا أيضًا مسؤولة عما آلت إليه الأوضاع؛ لأنني أعيش في مجتمع يغض الطرف عن هذه الظاهرة ويقبل بالظلم الواقع على أطفال الشوارع، لذا قررت أن أحوّل هذا الغضب إلى شيء إيجابي، وعلى هذا الأساس صُنع الفيلم.

هل كتبتِ النص وبحثت عن الحالات أم العكس؟

كانت الأمور تسير بالتوازي، فحين بدأنا الكتابة، شددنا على ضرورة أن تكون القصة موثّقة. هناك فعلًا حبكة وسيناريو، ولكن كان لابد من تدعيم أحداث الفيلم بحقائق. كنا ننزل إلى الشارع ونبقى أيامًا وأسابيع من دون نكتب شيئًا. كنا نحضر جلسات المحاكم ونزور مناطق نائية ومهمّشة في لبنان، ونقصد كذلك مخيمات اللاجئين، والإصلاحيات وسجن رومية للأحداث.. أمضينا أوقاتًا طويلة مع الأطفال وحدّثونا عن تجاربهم المرّة، فالكتابة كانت توثيقًا لما شاهدناه.

في “كفرناحوم” تناولتِ عددًا من القضايا الإنسانية، كالتسوّل وعمالة الأطفال، الزواج المبكر والظلم اللاحق بالعاملات الأجنبيات ومكتومي القيد. كيف تمكنت من ربط هذه الحالات ببعضها بعضًا؟

ربط الحالات ببعضها البعض كان من أصعب الأمور بالنسبة إلينا، فالأحداث سارت بصورة تلقائية؛ لأننا اكتشفنا في النهاية أن بعض الحالات قد تجتمع في عائلة واحدة، كأن تضم مثلًا أولادًا غير مسجلين في الدوائر الرسمية، ولم يلتحقوا بالمدارس، والأهل إما قيد الدرس أو بلا هوية، ويعيشون في ضائقة مادية تُجبرهم أحيانًا على تزويج بناتهم في سنّ صغيرة.. فهذه الحالات منتشرة بكثرة ولا أحد يتحدث عنها: تزويج الفتاة القاصر أو بالأحرى بيعها لحلّ مشكلة الفقر التي يعانيها أهلها، أو الأولاد الذين يرتكبون جرمًا ويُدكّون في سجن رومية، وشخصية العاملة الأثيوبية “رحيل” في الفيلم، غالبًا ما تكون أحزمة البؤس مرتعًا لهذه الشخصيات المماثلة لشخصيات الفيلم.

ثمة من علّق على المواضيع التي تناولتها في الفيلم، بدءًا من الفقر وصولًا إلى التسول والزواج المبكر.... هل نادين لبكي تكتب فيلمًا أم هو اقتراح لـNGO؟

إذا كنت في NGO واستطعت التغيير فلمَ لا! قدّمت هذا الفيلم لأغيّر في الواقع ما أمكن، وليس بهدف إشباع رغبتي في الفن فقط، فالفيلم بلغ مستوى فنيًا معينًا خوّله للمشاركة في المهرجانات العالمية.

هل الفيلم شعبوي؟

هو بالتأكيد شعبوي.