+A
A-

“السوشيل ميديا” نوافذ اتصال... وانفصال

تحولت وسائل التواصل الاجتماعي لمنأى آمن يلجأ إليه الأفراد لبناء واقع مغاير، وفتح نوافذ اتصال معنوية مع العالم الافتراضي، وارتداء قناع مختلف لإخفاء واقعهم وحقيقتهم الحياتية، فمن اللافت اليوم هو إتباع الكثير من مستخدمي هذه الوسائل (فيسبوك، تويتر، اليوتيوب، الانستغرام، السناب شات) لنمط حياتي معين مخالف لواقعهم بما يفرض عليهم تقمص سلوكيات وممارسات لم يألفوها أو يسبق لهم ممارستها، فقط لإظهار مثاليات مبالغ فيها أمام المتابعين، فإلى أي مدى بات الأفراد حبيسي هذا العالم الافتراضي؟ ومتى سيطلقوا سراح أنفسهم ويتحرروا من قيوده ليعيشوا اللحظات الواقعية بكل حذافيرها؟ وهل سيستمروا في ارتداء القناع أم انهم سيصطدموا بالواقع فيخلعوه؟ وأي انعكاس لإدمان تطبيقات “السوشيل ميديا” على استقرارهم النفسي؟ تساؤلات لا زالت تطرح بوتيرة متصاعدة في ظل تعاظم انفصال الأشخاص عن محيطهم الواقعي واتصالهم بالوهم التكنولوجي.

وفي دراسة نشرت في مجلة “نييورك تايمز” تمت الإشارة إلى أن الإنسان الذي يتعرض لـ”سوشيل ميديا” باستمرار معرض للتعاسة، فوفقا للنتائج التي خلص إليها فريق البحث فإن المجموعة التي لم تتعرض لتأثيرات هذه الوسائل هي الأكثر سعادة، بينما المجموعة التي تدمنها فهي الأكثر كآبة، لكن على الرغم من ذلك لازالت فئات كبيرة من الأشخاص تجد فيها سعادتها المطلقة بالنظر إلى حياتهم الواقعية الصعبة، فنراهم يعتبرونها سبيلا للترويح عن النفس والخلاص من ضغوط العمل، وملاذا للتعبير عن أوضاعهم العاطفية والاجتماعية خصوصا اذا كانوا عاجزين عن التعبير الكلامي المباشر عن مكنوناتهم الداخلية.

إن أسوأ ما خلّفته وسائل التواصل الاجتماعي هو الإخلال بقدرة الأفراد على ضبط توازن علاقاتهم مع البيئة الافتراضية فيها، فنراهم يشيّدون في حساباتهم على جدرانها بيوتا وهمية يقطنونها، ويخلقون كونا خاصا بهم يقطعون عبره صلتهم بالواقع الحقيقي، ربما ليعوضوا النقص الاجتماعي والمادي المحيط بهم، فالكثير يستعرض صورا تحوي أموالا في الوقت الذي يكونوا فيه في حالة عوز، ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لطالبي الشهرة مثل “الفاشنيستات” اللواتي تصبحن أسيرات لعادات معينة تمارسنها على السوشيل ميديا دون توقف، فيكون شغلهن الشاغل هو الاستعراض الدائم لكافة تفاصيل حياتهم لكسب الإعجاب ونيل أموال الإعلانات.