+A
A-

عندما تختلط العلوم بكرة القدم

 لن يكون مشجعو كرة القدم وحدهم خلف الشاشات لمتابعة نهائيات كأس العالم التي تنطلق الأسبوع المقبل في روسيا، فالعلماء أيضًا يعتزمون متابعة كل حركة لدراسة مختلف جوانب اللعبة... من الفيزياء إلى علم النفس.

في كل مونديال، يكون العالم على موعد مع كرة جديدة، ولن تختلف الحال في روسيا 2018 (14 يونيو - 15 يوليو) مع كرة “تيلستار 18” التي صنعتها شركة “أديداس” الألمانية للتجهيزات الرياضية، والتي تزود كأس العالم بالكرات منذ العام 1970.

حتى قبل انطلاق المنافسات، بدأت هذه الكرة تلاقي بعض الانتقادات من قبل حراس المرمى، على اعتبار ان التحكم بها أصعب من غيرها. إلا أن العلماء الذين درسوا تصميم الكرة وانسيابيتها، يعتبرون أنها “أكثر استقرارًا” من غيرها، لاسيما كرة “جابولاني” التي اعتمدت في مونديال 2010.

ويشكل تصميم “تيلستار 18” استعادة حديثة لتصميم “تيلستار”، أول كرة صممتها “أديداس” لكأس العالم، واستخدمت في مونديال المكسيك 1970.

كانت تلك الكرة الأولى ذات التصميم الشهير باللونين الأبيض والأسود، علمًا أنهما اعتمدا في حينه لاتاحة مشاهدة تلفزيونية أوضح نظرًا لأن غالبية الشاشات كانت لا تبث في حينها سوى بهذين اللونين.

نسخة 2018 من هذه الكرة تعتمد ثلاثة ألوان: أبيض، أسود، رمادي.

إريك غوف، أستاذ الفيزياء في جامعة لينشبورغ في ولاية فيرجينيا الأميركية، كان ضمن الفريق الذي قام بتحليل الكرة باستخدام النفق الهوائي ودراسات سطحها. ووجد الفريق أن “تيلستار 18”، مقارنة بكرة “برازوكا” التي اعتمدت في مونديال البرازيل 2014، تواجه “مقاومة” أكبر من الهواء، ما يعني أن الكرة تعبر مسافات أقل من الهواء (بنسبة ثمانية الى عشرة بالمئة أقل من كرة 2014) عندما يتم ركلها بسرعات ارتطام عالية (أكثر من 90 كلم/‏ساعة)، بحسب ما يوضح غوف لوكالة فرانس برس.

ويقول “هذا قد ينعكس سلبا على المهاجمين الذين يسددون الكرات من مسافات بعيدة، وسيكون عليهم بالتالي ان يركلوا الكرة بقوة كبيرة”.

الا ان الأمر قد يكون ايجابيا بالنسبة الى حراس المرمى. فبحسب غوف، عندما يتم ركل الكرة بسرعة عالية “ستصل الى المرمى بسرعة أبطأ بقليل مما كانت عليه (برازوكا) في 2014”.

في المقابل، تحظى الكرة الجديدة بثبات أكبر في الهواء.

أما بشأن حراس المرمى، فيرى هونغ ان الكرة “لن تقوم بالكثير من الانحرافات غير المتوقعة (...) لا اعتقد أنها ستكون سلبية بالنسبة” إليهم.

ومن أجل تحقيق النتائج المثلى يحتاج الأمر بطبيعة الحال إلى تركيبة ناجحة من لاعبين موهوبين، مدرب خبير وتكتيكي ناجح، وأيضًا بعض الحظ. لكن، وبحسب الدراسات العلمية، ثمة عامل إضافي يدخل على الخط: قمصان المنتخب، ولاسيما إذا كانت باللون الأحمر.

وبحسب أبحاث شارك فيها أستاذ علم النفس الرياضي في جامعة تشيتشستر البريطانية إيين غرينليس، يحظى حراس المرمى أو منفذو ركلات الجزاء، بنوع من “الأفضلية” في حال ارتدوا زيًّا أحمر اللون. وبحسب الدراسات، ينظر إلى اللاعبين الذين يرتدون الأحمر على أنهم أكثر سيطرة ومهارة، وذلك من قبل أنفسهم بالدرجة الأولى، وأيضًا من قبل خصومهم الذين قد يعانون من بعض القلق في مواجهتهم.

ويوضح غرينليس لفرانس برس أن البشر بشكل عام يربطون ما بين اللون الأحمر والخطر. يضيف “التفسير هو أننا تعلمنا منذ سن صغيرة جدًّا، أن الأحمر يقترن بالخطر: التوقف عند اشارة السير، لافتات التحذير، وحتى الفشل، إذ إن الأساتذة يقومون بتصحيح الامتحانات بقلم أحمر اللون”.

النظرية الأخرى هي أن اللون الأحمر هو “أوضح” من غيره، وقادر بالتالي على تشتيت تركيز الخصم بشكل أكبر.

المفارقة أن المنتخب الإنكليزي الذي عادة ما يرتدي اللون الأبيض، فاز بلقبه الوحيد في كأس العالم (مونديال 1966 على أرضه)، عندما خاض النهائي بالقميص الأحمر على حساب نظيره الألماني بالقميص الأبيض.

بعض الأندية من المستوى العالي في انكلترا، مثل ليفربول ومانشستر يونايتد، ترتدي القميص الأحمر. إلا أن هذه “الظاهرة” لا تعني البرازيل مثلا، صاحبة الرقم القياسي في عدد الألقاب العالمية (5 القاب) حيث يرتدي منتخبها القميص الأصفر.

ووجدت إحدى الدراسات أن اللون الأبيض يكون أكثر وضوحًا في المستطيل الأخضر، وفي إمكانه أن يكون عاملا مهما في “زيادة عدد التمريرات الناجحة”. أما الأخضر فيمكن ان يخدع دفاع الخصم لانه يصبح من الصعب عليه وضوح الرؤية جراء اختلاط لون القميص بلون العشب.

ويشير غرينليس إلى أن التأثير الكلي لأي لون محدود، معتبرا ان “فريقا جيدا يرتدي الأبيض، الأزرق أو الأخضر يكون أفضل أداء من فريق متوسط يرتدي الزي الأحمر”. لكن إذا كانت الفرق متساوية في مجالات أخرى، فاختلاف لون القميص قد يرجح الكفة.

حدث ذلك مع البرازيلي بيليه ومع الأرجنتيني ليونيل ميسي، وقد يحصل مع البرتغالي كريستيانو رونالدو والبرازيلي نيمار.

وبحسب دراسة لنشرة علوم الرياضة (جورنال اوف سبورتس ساينسز) في أبريل “الإبداع العالي” هو عمليًّا مؤشر على الفوز.

وقام الباحثون المشاركون في الدراسة، بتحليل الأهداف الـ311 التي سجلت على مدى 153 مباراة خلال مونديالي 2010 في جنوب افريقيا و2014 في البرازيل، وكأس اوروبا 2016 في فرنسا.

وركز هؤلاء على ثمانية حركات تسبق تسجيل كل هدف، واعطوا الإبداع فيها علامة بين صفر و10، وخلصوا إلى وصفها بأنها مزيج من عناصر “المفاجأة والأصالة والمرونة”.