+A
A-

الكبيسي.. مبتكر البناء الذكي البحريني المعتمد لدى السعودية

الجهات الرسمية تفضل المقاول الأجنبي على البحريني

تم تسجيل براءة اختراع النظام في ألمانيا

يمكننا تجهيز الفيلا خلال شهرين

“الكبيسي” تشيد 5 آلاف وحدة لوزارة الإسكان السعودية

عملت سائقا في مؤسسة والدي براتب 150 دينارا

مررت ب 3 أزمات وخطتنا كانت لأسوأ السناريوهات

“الإسكان” في أمسِّ الحاجة إلى أنظمة بناء وطنية حديثة

 

تزخر البحرين بالكثير من المقاولين الكبار الذين ساهموا في النهضة العمرانية، ومن ضمن هؤلاء ثلة قليلة لا تخفي شغفها بكل جديد في عالم البناء، بل حتى تجدهم مخترعين ويقودون ريادة في مجالهم. عبدالله الكبيسي المدير العام لمجموعة الكبيسي للمقاولات، والتي تعتبر من الشركات العائلية المعروفة في مجال المقاولات والبناء والتجارة، أحد هؤلاء أولئك شقوا طريقهم إلى الإبداع في عالم العمارة والبناء. قبل سنوات أوجد الكبيسي نظاما جديدا للبناء الذكي بطريقة نصف آلية استطاع من خلالها تخفيض تكاليف البناء لقرابة 30 %، وقلص وقت تشييد المنزل لنحو شهرين فقط، في نقلة نوعية لشركات المقاولات البحرينية التي اعتادت على طرق بناء تقليدية.

رغم أن الكبيسي حاول ترويج طريقته الجديدة للبناء وسط الجهات الرسمية، ومنها وزارة الإسكان كأحد الحلول الممكنة التي تساعد على تنفيذ رؤية البحرين الإسكانية، وتقليص فترات الانتظار في ظل الضغوط المالية التي تواجهها الدولة، إلا أنه لم يجد كما يقول “آذانا صاغية” على ما يبدو لطريقته الذكية. لقد سجل رجل الأعمال اختراعه في مكتب براءة الاختراعات في ألمانيا، لم يتوقف طموحه عند هذا الحد، بل قام بتطبيق نظامه في مشروع إسكاني بمنطقة سند، حيث أثبت نجاحه ونجاعته، بيد أن  تطالعاته قادته إلى أبعد من ذلك، حيث عرض فكرته على مسؤولين بالمملكة العربية السعودية، وتم تقييمها من جانب شركة مختصة ليجدوا أن نظام البناء الذكي البحريني قد يكون الأفضل لوزارة الإسكان السعودية من بين أنظمة شركات أجنبية أخرى تم المقارنة بينها. من هنا انطلقت مقاولات الكبيسي لتثبت أقدامها في السوق السعودية الضخمة، اذ حظيت بعقد كبير لتشييد 5 آلاف وحدة سكنية بنظام البناء البحريني الذكي الشبه آلي، ما يعطي هذه الشركة العائلية التي مضى على تأسيسيها قرابة الأربعين عاماً خطوة إضافية إلى الأمام.

لا يجد الكبيسي الذي تخرج في تخصص علوم الجولوجيا حرجا في الحديث عن بداية مشواره في مؤسسة والده الصغيرة، فقد  عمل سائقا بأجر لا يتجاوز 150 دينارا، ثم تدرج ليقود انطلاق المؤسسة نحو آفاقا أرحب. يقول ضيفنا في لقاء “الأحد” إنه يجد نفسه دائما منغمسا في العمل، فقليل ما يرتاد المجمعات أو الأسواق، فمن الصباح الباكر وإلى المساء ينكب على العمل، لتمر عليه السنون الطوال على هذا المنوال.

فيما يلي نص اللقاء مع مدير مجموعة الكبيسي، والتي تضم أكثر من عشر شركات ومصانع متخصصة في مجال البناء والتشييد والمقاولات إلى جانب شركات أخرى في مجال السيارات والسفر والخدمات.

عرفت مجموعة الكبيسي بمواد البناء خصوصا الخرسانة والطابوق وغيرها، فهل كانت البداية هكذا؟

لا، الوالد عيسى من مبارك الكبيسي، بدأ كمقاول بناء، خصوصا أنه امتلك خبرة واسعة في مجال البناء في البحرين والسعودية لمدة تناهز الأربعين عاماً، وبدأ في مؤسسة خاصة بالمقاولات في العام 1972 وذلك في منطقة رأس الرمان، وكان يحصل على مشروعات من وزارة الإسكان ووزارة الأشغال وبعض المشروعات الخاصة.

ومتى بدأت التحقت بالعمل إلى جانب والدك؟

في العام 1982 وذلك بعد الانتهاء من الدراسة، إذ درست علوم الجولوجيا في البداية، ثم تخصصت في مجال الهندسة، وبدأنا معها مشوار التحدي والتطور.

هل بدأت بمهنة في الإدارة العليا خصوصا أنك ابن صاحب الشركة؟

بدأت عملي كموظف عادي، ولم أكن أحصل على معاملة تفضيلية أو باعتباري ابن مالك المؤسسة، إذ عملت كسائق شاحنة، حيث  كنت أخرج من الساعة الرابعة صباحاً؛ لأنقل العمال إلى مواقع البناء، وكنت أيضا أعمل مع النجار والبنّاء والحداد بنفسي، وعملت في مجال المشتريات، وكمشرف موقع. أعتقد أن التدرج أمر مطلوب للحصول على خبرة، كثير من الشركات فشلت؛ لعدم مراعاة عامل الخبرة في الإدارة.

وأستطيع القول إنني منذ بداية العمل بالشركة أحرص أن أكون متواجدا في العمل من الصباح الباكر وحتى المساء طوال الثلاثين سنة الماضية.

هل تذكر أول راتب أو أجر شهري تقاضيته؟

نعم، كان 100 دينار.

حدثنا عن التطوير بالشركة؟

بدأنا تدريجيا بإضافة الأنشطة المصاحبة في مجال البناء مثل الخرسانة والطابوق والأسقف الجاهزة وغسيل الرمل والألمنيوم بصورة تدريجية، وحصلنا على مشروعات أكثر مع الإسكان ووزارات الدولة ومع القطاع الخاص. وساعدنا التوسع في المصانع في تسريع وتيرة العمل وإنجاز المشروعات في توقيت أفضل وضبط النوعية والتكلفة.

متى شيدتم أول مصنع بالشركة؟

كان مصنع ألمنيوم وزجاج في سترة وذلك في العام 1986، وبعدها بعامين، أي في العام 1988 بدأنا الإنتاج في مصنع الخرسانة، وفي العام 1990 تم إنشاء معمل لغسيل الرمل ليقوم بتغطية مصنع الخرسانة والطابوق. وتم إضافة مجالات أخرى في غير مجال البناء، مثل مجال تأجير وبيع السيارات، إلى جانب قطاع السفر والسياحة علاوة على محطة وقود في الرفاع، وغيرها من الأعمال. ساعدتنا هذه الأنشطة على تقليص التكاليف غير المباشرة.

حدثنا عن مشروع البناء الآلي؟

بعد خبرة في مجال البناء تقارب 37 سنة، استثمرت هذه الخبرة من خلال نظام بناء جديد للمباني وذلك قبل نحو 3 سنوات، إذ تم تحويل بعض أجزاء العمل في البناء من الطريقة اليدوية إلى الطريقة الآلية، وهو ما ساعد في تخفيض التكاليف واختصار الوقت، وأزال الكثير من التكاليف التي تتعلق بالقوالب إلى جانب توفير التجفيف في أفران ووفر الكثير من مخلفات البناء.

في نظام الكبيسي للبناء يمكن تصنيع الفيلا في يوم على أن يتم التركيب خلال شهر وشهر ونصف الشهر، بمعنى أن تكون الفيلا جاهزة خلال شهرين، ويمكننا عمل 60 أو 70 منزلا في ثلاثة أشهر بجميع مستلزماتها.

هل نجحت الفكرة؟

نعم أعتقد أن الفكرة أثبتت نجاحها، بدأنا بتطبيق النظام على بعض المشروعات في البحرين، وسنبدأ عما قريب في العمل على مشروعات في السعودية.

ما طبيعة المشروع الذي ستعمل عليه “الكبيسي” بنظامها الجديد للبناء؟

تم عرض النظام، وتم اختيارها بعد مقارنة بأنظمة أخرى تركية وصينية وأوروبية وأميركية، إذ تم التوصل إلى أن نظام الكبيسي للبناء هو المناسب لاستخدامه في البناء بالمملكة العربية السعودية. وقمنا بالتوقيع مع وزارة الإسكان السعودية لتشييد 5 آلاف وحدة سكنية، حيث اطلع وكيل وزارة الإسكان هناك على النظام واعتمده، وقمنا ببناء فلة نموذج واطلع عليها وزير الإسكان في السعودية واعتمد المشروع. نفكر في تشييد مصنع بالسعودية لتنفيذ المشروع أو ربما يتم نقل المصنع في البحرين إلى السعودية، ونحن حاليا في مرحلة تصميم المشروع.

لماذا لم نر تبني النظام من جانب وزارة الإسكان البحرينية؟

للأسف لم يحظ النظام بقبول حتى أنه لم يلق الاستحسان من جانب المسؤولين في وزارة الأشغال والإسكان، أعتقد أن بعضهم يفضلون المقاول الأجنبي على المقاول البحريني.

ما الذي يميز نظام البناء الجديد؟

تم تسجيل براءة اختراع النظام في ألمانيا، إذ يوفر عدد من المميزات مقارنة بالنظام المعروف أو التقليدي للبناء، منها زيادة مستوى الجودة، والعمالة، إلى جانب توفير التكلفة والوقت.

ما الذي تستطيع الشركات البحرينية إنجازه فيما يتعلق بملف الإسكان؟

نحن كشركات بحرينية نعاني دخول شركات أجنبية برغبة المسؤولين، وسمو رئيس الوزراء دائم حريص على إشراك الشركات الوطنية في مشروعات الدولة، وهذا يعني بقاء السيولة داخل البلد.

مع الأسف مازالت الشركات الأجنبية مرغوبة ومرحَّب بها أكثر من المحلية على رغم أنه قد تكون المحلية أفضل. فالإسكان في أمسِّ الحاجة إلى أنظمة بناء حديثة تحسن الجودة والنوعية والوقت والتكلفة، وعندما عرضت عليهم نظامنا للبناء لم يهتموا به.

كما تعرف، ظروف العمل في تقلبات مستمرة، كيف يدير الكبيسي العمل في الظروف الصعبة؟

في حياتي العملية مررت بثلاث أزمات اقتصادية صعبة، وما أستطيع قوله إنه من الضروي حين تقوم بعمل ما وتخطط له، أن تستعد لأسوأ الاحتمالات والسيناريوهات، وهذا يعني أن تكون لك خطة عمل جاهزة، وأن تكون مهيأ للتصرف خلال ظروف السوق الصعبة أو حين لا تحصل على أعمال جديدة، أو يكون هناك ضعف في السيولة أو تقشف في الأعمال؛ لكي لا ينتهي مصير الشركة إلى الإفلاس.

وهنا أنبه إلى ضرورة التنويع في العمل سواء من حيث القطاعات أو الأسواق، لذلك اتجهنا إلى السعودية كما لدينا مشاريع في الكويت، إذ نملك مصنع خرسانة هناك، وبعض الاستثمارات التجارية في أوروبا.

الشركات العائلية تواجه خطر الاختفاء بعد الجيل الثالث، ألست قلقا تجاه ذلك؟

حاليًا مجموعة الكبيسي يديرها الجيل الثاني، وبدأت بالفعل تهيئ الجيل القادم لاستلام دفة الإدارة، حيث أخذت أدرب أبني بالطريقة نفسها التي تعلمت بها. وبدأنا وضع عدد من الموظفين ليكونوا ضمن الإدارة. وقمنا بتعيين شركة تعيد التنظيم بحيث تراعي جميع هذه الأمور.

ما نصيحتك للشباب؟

أعتقد عليهم الاعتماد على أنفسهم والابتعاد عن الكسل، والعمل في أي مهنة شريفة كسبا الخبرة، فالعمل الشريف مهما صغر ليس بعيب. وما أعتبه على بعض شبابنا هو عدم اعتمادهم على التوفير والإدخار والجنوح نحو الاستهلاك، فتوفير دنانير قليلة من مدخولك الشهري مع تنظيم الميزانية العائلية يمكن للشباب فعل الكثير لمستقبلهم. رغم ذلك أجد أن الشباب البحريني في وضع جيد مقارنة بدول المنطقة فيما يتعلق بحبه للعمل، ونتمنى أن يزداد هذا التوجه.