+A
A-

القمة... تحديات تفرض التكاتف بين الدول العربية

 تأتي القمة العربية المقرر عقدها اليوم (الأحد) بالمملكة العربية السعودية الشقيقة وسط تحديات جسيمة تفرض على قادة وزعماء دول العالم العربي التعامل معها ومواجهتها بكل حسم، ولاسيما مع التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة بالمنطقة، والمخاوف الإقليمية.

وتكتسب القمة العربية مميزات خاصة من اعتبارات عدة أهمها طبيعة المكان الذي تنعقد فيه، ويثبت محورية الدور السعودي، وتوقيت انعقادها في ظل الظروف الحالية وحجم التحديات والأخطار الكبيرة التي تواجهها الدول العربية، وتعوق خطط وبرامج تنميتها.

ويتصدر ملفات هذه القمة المهمة الأوضاع في سوريا وما آلت اليه حتى الآن، خصوصا بعد التطورات الميدانية الأخيرة، ووسائل وآليات مكافحة الإرهاب والتعاون العربي - العربي في هذا الشأن، علاوة على القضية الفلسطينية عقب التصعيد الإسرائيلي الأخير، ومسيرة التعاون العربي المشترك الاقتصادية والاجتماعية.

وستتعرض أعمال القمة إضافة إلى ما سبق لطبيعة التدخلات الإيرانية، وكيفية التصدي لها ومواجهتها، ولاسيما أن الشقيقة السعودية تضررت كثيرا من جراء هذه التدخلات عقب الكشف أخيرا عن حقيقة الصواريخ الباليستية إيرانية الصنع التي تطلقها مليشيات الحوثي المتمردة من اليمن باتجاه الأراضي السعودية المقدسة، فضلا عن مدى ارتباط كل تلك الملفات والقضايا بالأزمات الدائرة فصولها في كل من ليبيا والصومال واليمن الشقيق وسوريا وغيرها. وتبدو هذه القمة وكأنها على موعد تاريخي آخر للتعاطي مع تداعيات مثل هذا الملف المهم وغيره من الملفات التي تلقي بظلالها على الإقليم ككل، بل وتوصف باعتبارها قمة “ذات أهمية قصوى”؛ نظرا لأن السعودية تستضيفها وترعاها، ولأن ظروفها تتشابه كثيرا مع قمتي الرياض العامين 1976 و2007، اللتين اُتخذت فيهما قرارات مصيرية، كانتا ومازالتا تعكسان ثقل ومكانة الشقيقة السعودية، وقدراتها الدبلوماسية على حلحلة الكثير من مشكلات المنطقة. ولا شك أن احتضان السعودية لهذه القمة بكل ملفاتها ومشكلاتها، الآنية والمستقبلية، سيوفر زخما كبيرا وقويا للتعامل مع مختلف التهديدات والمخاطر الراهنة التي تحاول النيل من أمن دول المنطقة واستقرار شعوبها، خاصة أن الرياض لما لها من حظوة ومكانة في نفس كل عربي ومسلم تشكل ركنا أساسا في منظومة العمل العربي المشترك، وعملت وما زالت تعمل بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء من أجل حاضر الأمة ومستقبلها، بل ولا تدخر جهدا في سبيل الارتقاء بمنظومة العمل العربي المشترك والنهوض بمقوماتها، وبما يصب في دعم وتعزيز مسيرة التعاون العربي - العربي.

وتحظى القمة بمشاركة واسعة من قبل قادة وزعماء الدول العربية مما يضفي عليها أهمية إضافية ستتمثل بالتأكيد في الأثر الذي ستخلفه، حيث سرعة الإنجاز وحسم اتخاذ القرارات وجدوى فاعليتها، وهو أمر سيكون بلا شك أحد أكبر دعائم قوة قمة الدمام، بل وسيُحسب للمملكة السعودية الشقيقة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود هذا النجاح والقدرة في حشد العدد الكبير من القادة والزعماء العرب الذين سارعوا إلى تلبية الدعوة لحضور القمة، والخروج بها إلى بر الأمان، وبما يلبي تطلعات شعوب دول المنطقة جميعا.

وقد يكون من المناسب هنا تأكيد أن عددا محدودا من القمم العربية على مدار تاريخها منذ قمة “انشاص” المؤسِسة في مايو 1946 وحتى قمة الأردن في مارس العام 2017، شهد هذا الحضور من قادة وزعماء الدول العربية، ومن ثم فإن اجتماعهم على هذا المستوى وبهذا الزخم سيسفر بالتأكيد عن تبني المواقف المناسبة إزاء المشكلات الراهنة، والخروج بقرارات ونتائج جوهرية ستسهم في التوصل إلى حلول لمختلف التهديدات والمخاطر التي تحدق بالأمة.

وكانت الأنباء الأخيرة المتداولة قد كشفت عن حرص كامل من جانب الزعماء والقادة العرب على حضور قمة الدمام بأنفسهم، إذ تأكد حضور أكثر من 15 زعيما وقائدا، وهو ما سيمكن القمة من التعاطي بفاعلية مع التحديات الراهنة، والتصدي بقوة لكل ما من شأنه أن يهدد أمن دول العالم العربي واستقرار شعوبها، خصوصا في ظل المحاولات المستميتة من جانب أعداء الأمة لاستهداف الشقيقة السعودية من ناحية، وتوسيع دائرة الصراع في الإقليم ككل من ناحية أخرى. ويبدو هذا الأمر مهما أكثر عند النظر إلى الحضور الدولي الفاعل والمشارك في قمة الدمام، وهي رسالة واضحة لا تستطيع سوى الشقيقة السعودية إطلاقها، ومفاد هذه الرسالة أن مكانتها الإقليمية والدولية تدفع بدول العالم المتحضر ومنظماته الكبرى لدعم الموقف السعودي وتحركاته؛ من أجل استتباب الأمن في الإقليم ونشر الاستقرار في ربوعه.

يشار هنا إلى حضور أعمال القمة كل من الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش، إضافة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موجريني، إضافة إلى مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسوريا ستيفان دي ميستورا، ضمن جهود الشقيقة السعودية وجامعة الدول العربية لتحقيق الحشد الإقليمي والدولي المناسب لأعمال القمة وأي قرارات تصدر عنها.

ومن المهم تأكيد أن رعاية الشقيقة السعودية لأعمال القمة الـ 29 تكشف عن حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على مواصلة الجامعة العربية لدورها المهم ككيان جامع للدول العربية، ورغبته في تطوير أدوارها وآلياتها، في ظل رؤيتها لإصلاح وتطوير الجامعة المقدمة منذ سنوات، وبما يمكنها من إدارة المشكلات التي تعترض سبيل تطورها وازدهارها، خصوصا مع انخراطها المؤثر في الكثير من الملفات الإقليمية العالقة، ولاسيما الملف الليبي.

والمعروف أن جامعة الدول العربية وبدعم سعودي مؤثر تواصل أدوارها التنظيمية والسياسية الفاعلة لتأطير مسيرة العمل العربي المشترك وحماية مقوماته وتدعيم أركانه، ويشهد المجتمع الدولي على جهود الجامعة حاليا في إدارة وتسوية بعض الأزمات بالتعاون والتنسيق مع الجهات الدولية المعنية. ولا يخفى هنا الدور السعودي الداعم لجهود مبعوث الأمين العام للجامعة العربية إلى ليبيا صلاح الدين الجمالي مع الأطراف الليبية بهدف بلورة أفكار للتوصل إلى توافق بشأن “اتفاق الصخيرات”، وكذلك جهود الجامعة العربية التنسيقية مع المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، فضلا عن جهودها التنسيقية مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسوريا ستيفان دي ميستورا.

إن المملكة العربية السعودية الشقيقة دائمة الحرص في سياستها على تعزيز التضامن والتكاتف بين الدول العربية وبعضها، وعملت وما زالت تعمل بكل قوة لدعم حائط الصد العربي في مواجهة أي تحديات تمس الإنسان العربي؛ انطلاقا من إيمانها بوحدة الصف العربي، وضرورة تعزيز منعته؛ كي يتمكن من وقف أي اختراقات خارجية.

ويمكن القول إن المملكة العربية السعودية تقف حجر عثرة أمام أي مشروعات توسعية تقوم بها أطراف أو قوى معينة بغرض الافتئات على الأمن القومي للدول العربية، والنيل من المصالح الحيوية لشعوب المنطقة، وستبقى وتظل بقيادة خادم الحرمين الشريفين ناصرة للقضايا العربية والإسلامية، وحامية لحدودها وسيادتها.