+A
A-

الخبير الإداري البحر يسرد حكايات فشل ونجاح القيادات

أحيا الخبير الإداري أحمد البحر، أمسية جميلة بمركز عبدالرحمن كانو الثقافي أخيرا، بعنوان “حكاية وحكمة... مواقف إدارية”، أدارها راشد نجم، وحضرها جمع غفير من المثقفين، والساسة، والمهتمين بالشأن الإداري والحكومي، والذين اكتظت بهم القاعة.

ورحب البحر، بابتسامته المعهودة، بجمع الحضور، قبل أن يعرج على موضوع الأمسية التي تدور بفلك سمات القيادي الناجح، وأوجه القصور المعرقلة لذلك، وأيضًا الإشكالات الشائعة في بيئات العمل، من خلال تقديمه 10 حكايات واقعية، من بيئة العمل نفسها، قبل أن يعقبها، بمقولات لإداريين، ومثقفين، وحكماء على مستوى العالم، نوجز منها 4 حكايات.

القائد الناجح

وبسياق حديثه عن سمات القائد الإداري الناجح، قال البحر “قرأ الكثير منا، وتابع، وعاصر من خلال تجارب العمل الإدارية عن الإدارة بالأهداف، والإدارة بالابتسامة، والإدارة بالنتائج، والإدارة باستخدام السلطة، ولكن هل قرأنا عن الإدارة بالمزاج؟ وهذا أخطر أنواع الإدارة؛ لأن الشخص سواء كان قائدا إداريا على رأس المؤسسة، أو رئيس قسم، أو مدير إدارة، المصير المهني للعاملين معه، سيكون تحت رحمته”.

ويضيف “فما بالكم إذ ما كان هذا الشخص، يسير الأعمال حسب المزاجية، وهذا أمر موجود، وأنا عاصرت هذا الأمر شخصيًا، وعليه سأذكر لكم حكاية بهذا الخصوص”.

الإدارة بالمزاج

لحظات من الصمت قبل أن يواصل البحر حديثه ذاكرا “أحد المديرين إذا جاء المكتب صباحا، كان السكرتير يعطي إشارة للموظفين بالإيجاب أو السلب، وبمعرفة أن المدير إذا طلب منه صباحًا أن يفتح ستارة المكتب فمعناه أن مزاجه طيب، وأي موظف يستطيع مقابلته، والحديث معه، والاستقبال منه يكون بابتسامة عريضة، أما اذا طلب أن يغلق الستارة، فمعناه ألا يدخل أحد عليه يومها؛ لأنه بمزاج سيئ، وقد يصرخ بوجه الموظف لأبسط الأسباب”.

وفي حكاية أخرى، قرأها البحر من مجلة الخدمة المدنية والتي تصدر من الرياض، قائلا “عنوان الحكاية كان الغترة الحمراء”، ومضمونها أن مزاجية المدير مرتبطة بلون “الغترة”، فإذا كانت حمراء، فيعني أن مزاجه سيئ، والأفضل عدم الاقتراب منه، أما إذا كانت بيضاء، فمعناه العكس تمامًا”.

ويضيف مبتسمًا “السؤال هنا.. إذ جاء المدير وهو مرتديا “البدلة” كيف سيتصرف الموظفون؟”.

ويتابع البحر معلقًا على هاتين الحكايتين مشيرا إلى أن أحد علماء الإدارة يقول: يجب ألا نترك الأمزجة كي تتحكم في اتخاذ القرار، بل يجب أن نحتكم للأنظمة، والقوانين؛ لكي نسير بها شؤون مؤسساتنا، فالأفراد يتغيرون، ولكن الأنظمة باقية.

المدير السلبي

وفي حكاية جديدة، يقول الخبير الإداري: قصة حصلت لي شخصيًا.. كان تحت إدارتي مدير إدارة، كان لا يبدي رأيه في أي موضوع أبدًا، وحين كان يتكلم بأي أمر، أو يرسل لي مذكرة، يكتب في الأخير “والرأي لكم”، فصبرت عليه مرات كثيرة، على أمل أن يستفيد من مركزه ويتغير، خصوصًا أن منصب المدير بالحكومة ليس بالأمر الهين، فهو منصب مهم وذو تأثير.

ويكمل “بعد أن يئست منه، طلبته، وقلت له: أنت مدير أو كاتب؟ فأجاب: أنا مدير إدارة. فأجبته: إذا كنت كذلك، لماذا لا أرى لك رأيًا إذًا؟ لابد أن يكون رأيك حاضرًا دائمًا، فقال: أنا أعطيك أنت الصلاحية، فتعجبت وقلت له: أنا من أعطيك الصلاحية؛ لأني أعلى منك رتبة، وليس العكس، كما أنني أستأنس برأيك، وحبذا لو تكتب لي بنهاية المذكرة، مجموعة من القرارات التي تقترحها بالأسباب، وتطلب مني المشورة والاختيار، وليس أن أقرر بدلًا عنك. فقال “أخاف تزعل”، فأجبته: نحن بالعمل أخي الكريم.

ويتابع “لم يتغير هذا المدير للأسف، مما اضطرني لنقله لإدارة أخرى، ومن ثم ترك العمل، والسبب الرئيس في حالته هو عدم الثقة بالنفس، وأحيانًا تكون الترقيات لبعض الأشخاص لأسباب معينة لا يكون للكفاءة بها علاقة”.

ويتابع “يقول نابليون بونابرت: جيش من الأرانب يقوده أسد، أفضل من جيش من الأسود يقوده أرنب، وهو أمر يتطابق مع الشخص الذي لا رأي له، أو يرمي القرارات على الآخرين”.

التفويض الإداري

ويصف البحر التفويض الإداري بأنه من الأمور المهمة بالعمل، متسائلًا “متى أفوض الآخرين؟ وبأي ظرف؟ خصوصًا أنه أمر صعب لدى الكثيرين، لتخوفهم من إمكان الاستغناء عنهم مستقبلًا، وبأنه كلما كثرت الصلاحيات للمسؤول، عظم الشأن، وهي بالطبع ثقافة إدارية غير صحيحة”.

ويقول “تقدمت ذات مره لوظيفة ممتازة بأحد البنوك، وكنت أعمل حينها في المجموعة العربية للتأمين، وبعد اجتيازي للمقابلة، طلبني نائب المدير العام، لتوقيع العقد، وبينما كنت أقرأ العقد معه، وعلى وشك أن أوقعه، دخل علينا المدير العام، فوقف له النائب، فسأله المدير: ماذا فعلت بالموضوع الفلاني؟، فقال: على درجك؟، وسأله عن موضوع آخر، فأجاب مجددًا: على درجك”.

ويردف البحر مبتسمًا “تساءلت حينها بنفسي وقلت: لدي الآن بوظيفتي الحالية صلاحيات وقرارات أتخذها، في حين أن نائب المدير العام بهذا البنك الكبير، لا يستطيع اتخاذ قرار بأبسط الأمور، خصوصًا أن الموضوع الأول الذي كان المدير يناقشه عنه، هو الموافقة على شراء بعض أدوات القرطاسية، وعليه فقد اعتذرت عن توقيع العقد باللحظة الأخيرة، وعزفت عن الوظيفة، وأنا أردد لنفسي (إذا كانت هذه هي صلاحيات نائب المدير العام، فماذا ستكون صلاحياتي؟)”.

ويكمل “في تعليق عن حكاية التفويض الإداري السيئ، أستشهد بقول الإداري العالمي جون مكسويل (العدو رقم واحد لتفويض الصلاحيات أو السلطة، هو الخوف من فقدان ما نملك، القادة الضعاف يخشون أنهم إذا ساعدوا المرؤوسين، فسيكون الاستغناء عنهم، هم أنفسهم، ممكنًا)، وهي ثقافة غير سلمية؛ لأن التفويض يجب أن يتركز على الرؤية الاستراتيجية والتطويرية، وليس ما هو خلاف ذلك”.

قضم جهود الآخرين

وتكلم البحر عن توجه بعض المسؤولين بنسب إنجازات العمل لأنفسهم دائمًا، بقوله: كأن يقدم أحد الموظفين دراسة معينة، إبداعا معينا، فكرة معينة، ويقوم المسؤول بنسبها لنفسه، من دون الإشارة لصاحبها، ثم يرسلها للإدارة العليا على أنها من صميم جهوده هو، موضحا أن هذا سلوك له مساوئ كثيرة منها أن ترقية الموظفين، ومنحهم المكافآت والتقدير، أمر سيكون صعبا؛ لأن أسماءهم لا تتوارد بدهاليز الإدارة العليا، والتي ترى - لغياب دورهم - أنهم لا يستحقون هذه الترقية، أو ذاك الحافز.

وفي حكاية واقعية عن هذا الأمر، يقول البحر “كان هناك أحد المديرين في مؤسسة ما من هذا النوع، كلما جاء له عمل من موظف، يمسح اسمه، ويرفعه باسمه هو إلى الإدارة العليا بالمؤسسة، وحدث أن عين مدير عام جديد لهذه المؤسسة، وكان قادمًا من إحد المصارف الكبيرة، ولديه خبرة واسعة في شؤون الإدارة، فسأل هذا المدير ذات مرة “هل كل هذه المواضيع أنت اللي تعدها”، فأجابه المدير: “نعم، كلها أفكاري، وأنا اللي أعدها”.

وتابع: سكت المدير العام عنه لفترة من الزمن، واستمر معه حوالي 3 أشهر، تاركًا إياه على سجيته، وهو يردد باستمرار”أنا سويت وفعلت”، وفي إحدى المرات اتصل المدير العام بهذا المدير، وقال له: كم عدد موظفيك بالإدارة؟ فأجاب: عشرة موظفين، فقال المدير العام: سوف أنقل 7 منهم لإدارات أخرى، فتفاجأ المدير وقال: “بتنقل سبعة، وسأعمل مع 3 فقط؟”، فأجابه المدير العام: لا أذكر أنك كلمتني مرة عن أي منهم، ودائمًا تقول لي أنا، وعليه فلا حاجة لك بهم، فذهب له المدير واعتذر له، ورد عليه المدير العام قائلاَ: في المرة المقبلة لا تقل لي أنا، قل، نحن؛ لأن هذا سرقة لجهود غيرك، ونحن بالإدارة العليا نريد أن نعلم جهود الآخرين”.

وفي تعليق لأحد علماء الإدارة عن هذا الموضوع، قال البحر “يقول جون مكسويل مرة أخرى (من غير اللائق أن ينسب المرء الفضل لنفسه، في حين أن بناء شركة ناجحة يتطلب تعاونًا كبيرًا من الناس معًا، عندما تحاول أن تكون الأفضل، فإنك لا تغرس الولاء، وإذا كنت لا تستطيع نسب الفضل للآخرين، فسوف تغرق بسبب عجزك عن التحفيز”.