+A
A-

جناحي يترجل عن “الصيرفة” ويتفرغ للكتابة والعمل التطوعي

صندوق للتعليم الفلسطيني يدشن في سويسرا قريبا

محمد الفيصل رئيسي الأوحد... تعلمت منه الكثير

كنت أتسلل خلسة وأنا طفل للذهاب إلى السينما

الكتابة مؤسستي الخاصة ومؤلف في طريقه للنشر

 

أحببت أن ألقبه بـ “الصيرفي المحارب” فهو لا يعرف “المهادنة” ولا يستسلم، ومباشر وصريح. عصامي بنى نفسه بنفسه، سهل ممتنع، بسيط ومتواضع، وصبور بحدود.

  38 عاما بالعمل المالي، معظمها بالصيرفة الإسلامية، أسس العديد من الشركات والبنوك الناجحة ووضع لمساته عليها وتركها لتسير ناجحة وحدها، فهو لا يؤمن بالبقاء على الكرسي طوال العمر.

الصيرفي المخضرم خالد جناحي، يعتبره كثيرون وأنا واحد منهم بأنه أهم “بانكر” في المنطقة. الحديث معه ذو شجون، والصفحات لا تكفي عن تاريخ حافل بالنجاحات والريادة.

وفيما يلي تفاصيل الحوار:

 

يقول جناحي في حديثه عن بداية المشوار: “ابتعثت بعد حصولي على الثانوية العامة للدارسة بالجامعة الأميركية في بيروت وذلك في العام 1974، وبقيت فيها سنة واحدة، كانت أجمل أيام حياتي، لكن للأسف شبت الحرب الأهلية هناك، فاضطرت البحرين إرسال معظم الطلبة إلى تكساس في الولايات المتحدة الأميركية وإلى كندا، لكنني فضلت الذهاب إلى جامعة مانشستر في بريطانيا تنفيذا لرغبة الوالدة (رحمها الله) بعد موافقتها على مضض بدعوى أنها أقرب نسبيا، فضلا عن وجود خالي فيها”.

وأضاف “حصلت على بكالوريوس في علوم الكمبيوتر والمحاسبة من جامعة مانشستر، ثم شهادة زمالة معهد المحاسبين القانونيين، إنجلترا، وويلز، وأنا أحد 3 بحرينيين لديهم هذه الزمالة”.

عدّل جناحي جلسته، وأخذ نفسا وعاد إلى الوراء نحو 38 عاما، قال: بعد تخرجي التحقت للعمل مع شركة برايس وتر هاوس في بريطانيا، (...) بقيت بين لندن ومانشستر حتى سنة 1987 حيث رجعت للبحرين في شهر مايو من العام نفسه للعمل لدى مكتبهم في المنامة بعد أن أصبحت شريكا، وكان المكتب إقليميا ومسؤولا عن أعمالهم في دول الخليج العربي والعراق والأردن وسوريا واليمن وإيران.

وأضاف “في بداية التحاقي معهم كان عملي متركزا على الشركات الصناعية ثم المؤسسات المالية، لكن في البحرين كانت معظم الأعمال مع المصارف خصوصا المؤسسات المالية الإسلامية، مع أنه لم يكن في ذلك الوقت سوى عدد قليل من هذه المؤسسات”.

عملت في معظم التخصصات، بالتدقيق والتقييم والإدارة والاستشارات وغيرها، لكن كانت للصيرفة الإسلامية خصوصية.

 

البداية مع دار المال الإسلامي

وزاد جناحي “في العام 1997 تلقيت عرضا للعمل لدى دار المال الإسلامي في جنيف رئيسا تنفيذيا، وبالفعل التحقت بها وبدأت العمل بمعية الأمير محمد الفيصل (رحمه الله) (...) الوحيد الذي رأسني طوال حياتي المهنية، فلم أكن يوما أعمل تحت إدارة أحد، كان قمة بالتواضع والشفافية والإدارة والمهنية، فقد تعلمت منه الكثير ليس بالعمل فقط وإنما بأمور الحياة الأخرى، كان نموذجا ومثلا أعلى”.

 

52 عاما سن التقاعد

يعتبر المصرفي المخضرم المولود في العام 1958 أن سن الـ 52 عاما حدا فاصلا بين العمل والراحة، أو التقاعد وهو مصطلح لا يفضله. ويقول إنه اقتنع بهذا العمر من نصيحة أسداها له زميل إنجليزي عمل معه في بريطانيا، وهو كان مسؤولا عن المتدربين الجدد، حيث قال له “عليك أن تضع باعتبارك بأنك لن تعمل طوال العمر، يجب عليك التقاعد والالتفات لحياتك ولهوياتك عندما تبلغ الثانية والخمسين، فعملنا مرهق ويومنا في بعض الظروف يساوي 3 أيام عمل”.

كان عمره آنذاك 49 عاما، واعتقدت أنه غير جاد، لكنه فعلها، فعندما بلغ سنة الـ 52 ترك العمل، (...) اعتبرته نموذجا واقعيا وقررت السير على خطاه، لكن للأسف أرجأت الأزمة الاقتصادية التي ضربت أسواق المال في العام 2008 خطتي 7 سنوات، فكان من الصعب ترك مؤسستي وسط الأمواج وحدها والقفز من المركب، فبقيت حتى استقرت الأمور ووصلنا بها إلى بر الأمان ثم نفذت قراري.

منذ تقاعدي تفرغت لعائلتي ولنفسي، لحياتي، للكتابة التي أحبها، والأهم من ذلك كله للعمل التطوعي الأقرب إلى قلبي.

في السابق وبسبب انشغالي كنت دائما في عجلة من أمري، (...) زرت معظم العواصم والمدن في العالم، ولكنني للأسف لم أشاهدها؛ لأنني كنت أذهب للعمل ولدي اجتماعات ما أن تنتهي حتى أطير إلى عاصمة أخرى وهكذا دواليك، فلا متعة بالحياة.

في إحدى المرات سافرت إلى سدني في أستراليا لاجتماع مدته 3 ساعات ثم عدت أدراجي، وكثيرا ما تكرر هذا المشهد.

لحياتك ونفسك وعائلتك حق عليك، هل نعمل طوال العمر؟

وانتقد جناحي من يعيشون على الكرسي حتى يتوفاهم الله، خصوصا أولئك الذين يعملون في الشركات المساهمة العامة، موضحا أنهم - للأسف - كثر في البحرين، ومتسائلا: لماذا يبقى البعض لأكثر من دورتين، “ما فيه بالبلد إلا هالولد”؟

 

الصيرفة الإسلامية... منذ البداية

وعن الصيرفة الإسلامية يقول جناحي: “أحببتها، تعمقت بها، فقد كانت شيئا جديدا وعلينا الإبداع فيه”.

ويؤكد أن أول من بدأ العمل بالصيرفة الإسلامية 3 أشخاص هم الأمير محمد الفيصل والشيخ صالح كامل، والشيخ سعيد لوتاه من دبي، فهم روادها دون منازع، (...) دفعوا ثمنا كبيرا لإنجاحها سواء بالمال أو بالوقت أو بالجهد كون بداية الفكرة كانت صعبة جدا.

الكتابة... مشروعي الخاص

ألم يقرر خالد جناحي أن ينشئ مؤسسته الخاصة، عن ذلك يقول: “لم أقل أو أفكر بذلك يوما، فأنا راض عما وصلت إليه في عالم المال والاقتصاد، (...) مشروعي الخاص هو الكتابة”.

ويؤكد “جميع المؤسسات التي أطلقتها أو ساهمت في إطلاقها كانت تتبع لدار المال أو لغيرها وما أنا إلا موظف إذا جاز التعبير، رغم أني كنت أساهم أو أمتلك جزءا في بعضها، لكنني لم أنشئ مؤسسات خاصة بي على الإطلاق.

 

العمل التطوعي الأقرب إلى قلبي

ويضيف “دائما ما كنت أعتبر العمل التطوعي أهم شيء في حياتي وأقرب شيء لقلبي، حيث لدي شغف واندفاع كبير لتقديم المزيد والمزيد، (...) عملت كثيرا في هذا المجال، واليوم لدينا أنا ورجل الأعمال الفلسطيني سامر خوري فكرة تطوعية تتعلق بفلسطين من خلال إنشاء صندوق التعليم الفلسطيني، وهو يعنى بالنهوض وتغيير مسار أو فكرة التعليم”.

وزاد “فلسطين لها خصوصية، فكم شخص يتخرج ولا يحصل على عمل، (...) الجميع يتعذر بمخرجات التعليم، ونحن نريد تغيير هذا النمط والمفهوم، فالفكرة تتلخص في دفع الشباب للتفكير دون حدود، ودون خطوط حمراء، إقناعهم بالتفكير خارج الصندوق، وهو أمر باعتقادي تفتقر له المنطقة العربية جمعاء”.

وأكد جناحي أن “مقر المؤسسة سيكون في سويسرا فيما سيكون العمل على أرض فلسطين، والعمل جار لتسجيلها بشكل رسمي”.

 

لماذا سويسرا؟

هل اختار خالد جناحي سويسرا؟ في رده عن ذلك، يقول: “إقامتي ومعيشتي في سويسرا كانت بسبب عملي بدار المال، لكن سنة بعد سنة وعلى مدار 20 عاما أحببت هذه البلاد للكثير من الأسباب، في مقدمتها أنك تشعر هناك بإنسانيتك، بقيمة الفرد، ولا ننسى هنا القوانين والنظام، وطبيعة الحياة، (...) الطقس، جمال الطبيعة، الغذاء الصحي، النظافة... الخ”. وأضاف “رغم أنني أنهيت عملي، إلا أنني اخترت أن أبقى للعيش، فالعائلة تأقلمت رغم أن ذلك لم يكن بالبساطة التي يتخيلها الناس، (...) عندما أرى أولادي يتكلمون اللغات ويتفاعلون ببساطة مع الجميع من أنحاء العالم على مختلف ألوانهم ومعتقداتهم أتيقن بأن اختياري صائبا”.

ومن المعلوم أن الناس يتكلمون في سويسرا 5 لغات فهناك الألمانية، والألمانية السويسرية، والفرنسية، الإيطالية وبطبيعة الحال الإنجليزية. وعن ذلك يوضح جناحي أنه يعيش حياة طبيعية بلغته الإنجليزية، رغم أنه يفهم بعض الفرنسية لكنها لا يتحدثها.

وعن عائلته الصغيرة يؤكد جناحي أنها صبرت معه بما فيه الكفاية، ودائما ما كانت داعما له. وبلغة أهل الأرقام يقول: “عملت أم يوسف رئيسا تنفيذيا ورئيسا لمجلس إدارة المنزل بما تحمله الكلمة من معنى، فهي من كان يقوم بكل شيء تقريبا، ورفعت عن كاهلي تربية الأولاد وإدارة شؤون البيت، (...) خلف كل رجل عظيم امرأة عظيمة”. ولدى أبو يوسف ولدان لم يوجههم إلى الصيرفة أو القطاع المالي، حيث تعلم أحدهم المحاماة فيما اختار الآخر الكمبيوتر والفلسفة.

وعن الكتابة يقول جناحي إنه يعمل على مشروع كتاب لكنه ما زال في البداية، (...) الأفكار كثيرة، لكنها تتمحور حول مقولة بسيطة كان أطلقها أحد أفراد العائلة: “هناك طريقتان لعمل ثروة وهما إما بذكائك أو بغباء الآخرين”، وهذا جزء من الكتاب.

 

المشاركة في دافوس

شاركت في المؤتمر منذ العام 1999 وبشكل سنوي، وكنت أذهب ممثلا عن دار المال الإسلامي، كما أنني شاركت عضوا في الفريق البحريني من خلال مجلس التنمية الاقتصادية.

وعن انطباعه في المؤتمر العالمي المهم، يتنهد جناحي ويشكو حال العرب في لقاءات ونقاشات المؤتمر: (...) بصراحة تخجل من كونك عربيا بسبب بعض الطبّالين الذين ليس لهم شغل إلا تلميع الحكّام والحكومات.

إلا أن الأدهى والأمر من ذلك هو أن معظم المشاركين العرب إما من الطبقات الحاكمة أو حكوميين أو أصدقاء الحكومات وبالتالي هم ليسوا أهلا لهذا المقام، فلا يقدمون أفكارا جديدة فيما تجد البعض خائفا أن يتكلم بصراحة عن رأيه.

بالنسبة لتجربتي الشخصية فقد تعلمت من الأشخاص الذي احتككت بهم بالمؤتمر الكثير، إلا أن تجربتي كعربي أني كنت أشعر بالضيق والحرج لبعض الأفكار والطريقة التي تطرح بها من قبل العرب أنفسهم.

هل صحيح أن هناك استهداف للإخوة جناحي؟ الجواب نعم، لكن دعني أسألك، ألا يستطيع صاحب النفوذ عمل ما يريد دون النظر إلى تبعات ذلك في المستقبل، ودون النظر إلى المصلحة العامة؟ (...) أنا إنسان واضح وصريح وأتعامل بشفافية، لكن هل يقابلك الآخرون بالطريقة نفسها؟.

وهنا يتطرق إلى العلاقات الإنسانية في مجتمعاتنا، حيث يؤكد أنه ليس لديه أصدقاء وإنما لديه معارف، في حين أنه صديق للعديد من الناس، (...) ليس لدي أعداء، فأنا لا أعتبر من ليس صديقي بأنه عدوي. طبعا معظم الناس يصادقون المنصب أو الكرسي، وتنتهي هذه العلاقة بمجرد انتهاء العمل. أنا من زمن ليس بالقليل خارج البحرين وكذلك الأمر بالنسبة لأخوي عصام ورشاد، نحن قدمنا الكثير للوطن سواء المشروعات أو الأفكار وكنا روادا في العديد من الأعمال.

 

السينما عشق الطفولة

وعن حياة الطفولة يقول جناحي إنه كان ومازال يعشق الأفلام السينمائية، حيث كان يذهب خلسة وهو ابن 6 سنوات لمشاهدة الأفلام، بعيدا عن عيون أهله خصوصا جدّيه وأبيه، حيث كان ممنوعا الذهاب إلى السينما كونهم ينتمون لعائلة محافظة.

وتابع “لكنني لم أكن أترك فرصة إلا واستغلها، حيث أذهب فترة الظهر لمشاهدة الأفلام مستثمرا وقت القيلولة لأجدادي ووالدي، وكنا نشتري التذكرة بربية واحدة، (...) كانت جدتي تعطيني الربية وتخفي أمر السينما”.

وكان في ستينيات القرن الماضي سينمات الزياني في القضيبية، وأوال اللتان كانتا تقدمان الأفلام يومي الاثنين والخميس، وسينما اللؤلؤ (القصيبي) بالنعيم، والنصر أيام الجمعة. لازمتني هذه الهواية إلى الآن، (...) لدي نحو 2600 فيلم قديم أشاهدها في البيت بين الفينة والأخرى.

 

هل أنت راض عن نفسك؟

نعم بكل تأكيد.. فطوال عمري أفضل البساطة ولم أتغير يوما، فأنا أنا أينما كنت وأينما حللت ومهما عملت، (...) فالإنسان ليس بمنصبة وإنما بشخصه، كما أنني صريح ومباشر مع الجميع، وهذا قد يكون سبب لي بعض العداوات.