البحرين نجحت في بناء نموذج حي للتعايش
القس هاني عزيز لـ “البلاد”: “عاشوراء” مناسبة تجمع البحرينيين على المحبة والتآخي
أكد راعي الكنيسة الإنجيلية رئيس جمعية البيارق البيضاء القس هاني عزيز، أن مملكة البحرين، وتحديدًا العاصمة المنامة، تُعد نموذجًا فريدًا في التعايش السلمي والتسامح الديني.
وأضاف القس هاني أن العاصمة البحرينية تحتضن جميع المكونات الدينية والثقافية، مشيرا إلى أن المأتم والمسجد والكنيسة والمعبد الهندوسي تتجاور ضمن مساحة كيلومتر واحد، في تناغمٍ ووئام يعكس عمق التلاحم الوطني والتعددية السلمية.
وأشار إلى أنه اعتاد على المشاركة في موسم عاشوراء بشكل شخصي، إذ زار العديد من المآتم، مؤكدًا أنه تشرف بإلقاء بعض المحاضرات والوعظ الديني في هذه المناسبة، التي تحمل طابعًا إنسانيًا وروحيًا عميقًا.
وبيّن أن عاشوراء، على رغم ما تحمله من طابع الحزن واستذكار الألم، تُعد مناسبة جامعة تحتفي بها مختلف مكونات المجتمع، قائلا: أنا أعدها احتفالًا، حتى إن ارتبطت بالحزن؛ لأنها تجمع الناس على قلب واحد، وتهدف إلى تذكيرهم بقيم إنسانية مشتركة.
ولفت إلى أن مظاهر عاشوراء في البحرين تعكس روح الوحدة الوطنية، إذ يسير الجميع في الشوارع يسمعون أصوات الوعاظ من المآتم، ويتشاركون الطعام والشراب، في تجسيد فعلي للتماسك الاجتماعي، مؤكدًا أن الجميع يشكلون وحدةً متماسكةً، يتقاسمون الطعام والشراب؛ ما يرسخ انطباعًا رائعًا عن هذا الموسم المبارك.
وفي سياق متصل، قال القس هاني إن هناك رسائل وقيمًا مشتركة تجمع بين عاشوراء والمبادئ المسيحية، أبرزها قيمة البذل والتضحية من أجل الآخرين.
واستشهد بما ورد في الكتاب المقدس، إذ أشار إلى أن الله، بعد خطيئة آدم وحواء، ألبسهما أقمصة من جلد؛ ما يعني أن هناك دمًا قد سُفك كرمز للتكفير والمغفرة، كما تكررت هذه الرمزية في قصة النبي إبراهيم، ثم في شريعة النبي موسى، حيث كانت الذبائح وسفك الدم تمثل الفداء والغفران.
وأشار إلى أن السيد المسيح، في العقيدة المسيحية، قدم نفسه ذبيحة للعالم، إذ صُلب وسُفك دمه من أجل خلاص البشرية، وهو ما يُعد أعظم تعبير عن المحبة والفداء.
وقال: عندما نقرأ عن الإمام الحسين، نرى أن دمه لم يُسفك عبثًا، بل من أجل مبدأ وقضية عادلة، وهذا ما يجعلنا نلتقي إنسانيًا في هذه الرموز التي تمثل البذل لأجل الآخر، مشددًا على أن المعنى الحقيقي للدم في هذه السياقات هو العطاء والتضحية من أجل الإنسان، وليس العنف أو الانتقام.
وشدّد القس عزيز على أن مفهوم التعايش أحيانًا يُفهم بشكل خاطئ، حيث يظن البعض أن التعايش يعني التنازل عن العقيدة، مؤكدًا أن التعايش الحقيقي هو العيش المشترك باحترام، مع الحفاظ على الدين والهوية.
وأوضح أن كل إنسان لديه دينه وعقيدته، ولكن هناك أرضيات مشتركة كثيرة تجمعنا، أولها أننا نؤمن بإله واحد، ونشترك في الإنسانية، مضيفًا: حتى دم الإنسان – سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا أو يهوديًا – يتكوّن من نفس المكونات، الكريات البيضاء والحمراء والصفائح، فالخَلق واحد والخالق واحد.
كما بيّن أن تعاليم السيد المسيح تؤكد محبة الآخر واحترامه، إذ قال: أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم، متسائلًا “فإذا كنت مأمورًا بمحبة عدوي، فكيف لا أحب أخي؟”.
وأشار أيضًا إلى مبدأ جوهري في المسيحية: كيف تقول إنك تحب الله الذي لا تراه، وأنت لا تحب أخاك الذي تراه؟، مشددًا على أن محبة الله لا تكتمل إلا بمحبة خلقه.
واختتم القس هاني عزيز حديثه مؤكدًا أن البحرين تُعد من الدول القليلة التي نجحت فعليًا في بناء نموذج حي للتسامح والتعايش، موضحًا أن ثقافة التعايش والسلام انتقلت من الأجداد إلى الأحفاد، فأصبحت جزءًا من هوية الشعب البحريني، مؤكدًا أن الحوارات هنا لا تأتي من شعارات، بل من القلب؛ لأن في قلوب البحرينيين تسامحًا حقيقيًا، وتواصلًا أصيلًا بين جميع مكونات المجتمع.