بدأت ظاهرة الانفصال الأسري تستشري، وكأنها سرطان اجتماعي ينهش جسد المجتمع البحريني، حاملة معها أزمات نفسية واقتصادية واجتماعية، فلم يعد الطلاق مجرد حالات فردية، بل أصبح ظاهرة مقلقة تهدد الاستقرار الأسري وتنتج عنها تبعات تؤثر على المجتمع بكامل فئاته.
وطبقا لإحصائيات الطلاق الرسمية الظاهرة التي كان آخرها في عام 2023 بلغ فيها عدد حالات الطلاق لدى البحرينيين 1536 حالة، وهذا يعتبر رقما مخيفا في مجتمعنا الصغير، فلك أن تتخيل عزيزي القارئ أن هذا العدد الذي من المؤكد تكراره وارتفاعه في كل عام سيؤدي إلى انشغال مؤسسات الدولة ذات العلاقة في قضايا النفقة والحضانة والخلافات الأسرية والمشاكل النفسية والصحية، علاوة على ما يصيب المجتمع من آفات وأمراض نتيجة التفكك الأسري.
فالطلاق لا ينتهي عند حدود الزوجين، بل يخلّف آثارًا مباشرة على الأبناء، حيث إن التفكك الأسري يجعل الأبناء يعيشون في بيئة خصبة للإهمال، والانحراف، وتدني التحصيل الدراسي، وضعف الرقابة الأسرية. ومع الوقت، تتشكل شريحة من الأسر المتهالكة التي تصبح عبئا على المجتمع وكذلك على مؤسسات الدولة.
لهذا فإن معالجة هذه الظاهرة تحتاج إلى رؤية استباقية، لا تكتفي بعلاج الأعراض، بل تذهب إلى الجذور. وهنا تبرز الحاجة إلى وضع حلول وقائية للحد من نسب الطلاق المتزايدة.
من أبرز هذه الحلول المقترحة، والتي حان الوقت لتفعيلها بجدية، هو اشتراط رخصة زواج كشرط أساسي لتوثيق عقد الزواج، والتي تشبه إلى حد بعيد رخصة قيادة السيارة؛ إذ لا يمكن لأي فرد أن يقود مركبة دون تدريب وتأهيل مسبق، رغم أن السيارة لا تساوي في أهميتها واستدامتها الأسرة. فكيف نسمح لشخصين بالارتباط دون أدنى معرفة بمسؤوليات الزواج، وطرق التعامل مع المشاكل الزوجية، وإدارة العلاقة الزوجية بما يضمن استقرارها؟
وتتمثل هذه الرخصة في حضور دورة تثقيفية للمقبلين على الزواج، وتكون إلزامية للطرفين قبل الزواج الأول، بحيث تشتمل على معرفة الجوانب الشرعية، والاجتماعية، والنفسية، والقانونية الخاصة بالحياة الزوجية. وتكون شهادة حضور الدورة متطلبا أساسيا لتوثيق عقد الزواج، مثل شهادة الفحص الطبي. فكما أن شهادة الفحص الطبي ضرورية قبل الزواج، لتفادي الأمراض الوراثية التي تثقل كاهل الأسرة والدولة مستقبلًا. كذلك رخصة الزواج، فالفحص الطبي شأنه شأن التوعية الزوجية، فهي أداة وقائية لا تقل أهمية عن أي إجراء رسمي يتخذ لضمان تكوين أسرة سليمة ومستقرة.
وهذه الفكرة قد طرحت سابقا في المجلس الوطني في عام 2016، لكنها قوبلت بالرفض من قبل أعضاء مجلس الشورى، مع أن الحاجة إليها اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. لذا، لابد من وقفة جادة، تتجاوز الحسابات التقليدية، نحو مصلحة المجتمع واستقراره.
فهناك العديد من الدول طبقتها ونجحت في تخفيض نسب الطلاق في مجتمعاتها وأبرزها التجربة الماليزية التي ألزمت كل من يريد الزواج الدخول في دورة تأهيلية كشرط أساسي لعقد الزواج، ونجحت بذلك في تخفيض نسبة الطلاق إلى ما يقارب 70 %.
لذلك نحن نعتقد أن الوعي الحقوقي والثقافة الزوجية وتعلم كيفية إدارة الحياة الأسرية الحل الأمثل لاستدامة مشروع الزواج والحد من الطلاق.
ختاما فإن اشتراط رخصة زواج ليس تقييدا للحريات، بل هو استثمار في استقرار الأسر، وبناء مجتمع قوي ومتوازن، ينعم فيه الأبناء بالأمان، وتقل فيه نسب الطلاق، ويخف العبء عن مؤسسات الدولة. فالزواج ليس مجرد عقد شرعي، بل مسؤولية عظيمة تبدأ بالوعي والتأهيل.
*كاتب بحريني