“إنكيرو” قصص دلمونية تفاعلية
السادة: “متحف البحرين” يخطو بثبات نحو التحول الرقمي
أكدت مديرة إدارة المتاحف في هيئة البحرين للثقافة والآثار هيا السادة، أن متحف البحرين الوطني يسير بخطى مدروسة نحو التحول الرقمي، بما يعكس جوهره التاريخي وهويته الثقافية، مشيرة إلى أن للمتاحف البحرينية دورًا محوريًّا في الحفاظ على الهوية وتعزيز الوعي المجتمعي، وتتم تهيئتها لتكون منصات تعليمية وتفاعلية للأجيال الحالية والمقبلة.
وفي حوار خاص لها مع “البلاد”، كشفت السادة عن مشروعات تطويرية جديدة، من بينها إدخال تطبيقات رقمية مبتكرة كتجربة “إنكيرو”، وبرامج مجتمعية هادفة مثل “المتحفي الصغير”، و “حزاوي يدّتي”، مؤكدة أن متحف البحرين الوطني يُعد مركزًا ثقافيًّا يربط بين الماضي والحاضر، ويستشرف المستقبل عبر ما يقدمه من قطع أثرية متميزة.
تاريخ راسخ ورسالة متجددة
وقالت السادة “إن متحف البحرين الوطني، الذي افتتح في العام 1988، يُعد من أقدم المتاحف في منطقة الخليج العربي، ويتميز بموقعه الاستراتيجي في قلب العاصمة المنامة”، مشيرة إلى أن فكرة تأسيسه كشفت عن حضارات ضاربة في القدم مثل دلمون، وتايلوس.
وأضافت “أدركنا منذ البداية أهمية إيجاد فضاء يُحافظ على هذا الإرث ويعرضه، فأنشأنا قاعات تُجسّد مراحل مهمة من تاريخنا مثل قاعة المدافن، قاعة دلمون، قاعة تايلوس، بالإضافة إلى قاعة التقاليد التي تُعد من أبرز الوجهات لزوارنا من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجميع أنحاء العالم”.
المتحف.. عرض وتفاعل
وأوضحت السادة أنه إلى جانب عرض المتحف للمقتنيات التاريخية، أصبح اليوم منصة تفاعلية للزوار، عبر تنظيم معارض، وفعاليات فنية وثقافية مستمرة طوال العام، منها المعارض التشكيلية بالتعاون مع السفارات والجهات الرسمية، إلى جانب استضافة الوفود الرسمية ورؤساء الدول؛ ما يدفع إلى الالتزام بمواصلة تطوير المتحف بما يوازي المعايير العالمية.
الرقمنة وتحديات التطبيق
وفي سؤال عن توظيف التقنيات الحديثة مثل المحاكاة البصرية و “الأنيميشن” والعروض التفاعلية، أشارت السادة إلى أن الهيئة تدرك تمامًا أهمية هذه النقلة النوعية، وتسعى بجدية إلى تنفيذها ضمن خطة متكاملة، لاسيما أن المتحف الوطني خصوصا والمتاحف الأخرى عموما تتلقى سنويًّا تدفقًا كبيرًا من الزوار، منهم زوار البواخر السياحية، خصوصا في شهري يناير وفبراير؛ ما يدفع أكثر إلى تطوير مستوى التجربة المتحفية وتقديم محتوى عصري وجاذب.
“إنكيرو” دمج التكنولوجيا بالتاريخ
وفي السياق ذاته، لفتت السادة إلى أن الهيئة تتابع أحدث الأدوات الرقمية لتعزيز تجربة الزائر، وذكرت أن من أبرز المبادرات إطلاق شخصية “إنكيرو” ضمن احتفال تأسيس متحف قلعة البحرين، إذ تم تصميم تطبيق تفاعلي خاص بها يتيح للزوار التعرف على الموقع بطريقة مبتكرة.
وقالت “التطبيق يُعد تجربة رقمية مميّزة تمزج بين الحكاية التاريخية والتفاعل الحي، وهو جزء من توجهنا نحو رقمنة المحتوى وتوسيع دائرة التفاعل مع الجمهور”.
المتاحف مؤسسات تعليمية حية
وتحدثت السادة عن التحولات الكبيرة التي طرأت على مفهوم المتحف، قائلة “المتاحف أصبحت منصات تعليمية تسهم في تشكيل الوعي المجتمعي”.
وتابعت “أطلقنا برنامج (المتحفي الصغير) لطلبة المدارس؛ لتقديم تجربة تعليمية مباشرة، كما نظمنا فعاليات سرد القصص، أبرزها بمشاركة الحكواتي محمد صالح ضمن فعاليات اليوم العالمي للمتاحف، إلى جانب أنشطة فنية مستوحاة من المقتنيات مثل الخزف والرسم بالحروف المسمارية”.
وتطرقت في حديثها إلى إنجاز مهم تحقق الشهر الماضي، تمثّل في إدراج “النقوش المسمارية لملوك دلمون” ضمن برنامج “ذاكرة العالم” التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، في تأكيد جديد على القيمة العالمية للإرث البحريني.
الشراكة المجتمعية جوهر العمل الثقافي
وفي سياق متصل، أكدت السادة أن المتحف الوطني يحرص على تفعيل الشراكة المجتمعية عبر التعاون مع الفنانين، والجامعات، والمدارس، والأفراد؛ ليعزّز دوره كفضاء مفتوح للتفاعل الثقافي. ومن بين المبادرات البارزة، برنامج “حزاوي يدّتي”، الذي يجمع الأجداد والآباء مع الأطفال في قاعة التقاليد لرواية القصص التراثية، إضافة إلى فعاليات خاصة لفئة المتقاعدين، ومدرسة المكفوفين، ضمن رؤية شمولية تسعى لإشراك مختلف فئات المجتمع.
وكشفت عن دعم عائلة الحسن بمجموعة أثرية قيّمة تعود لجدهم الطواش، إذ سيُقام معرض خاص بهم نهاية الشهر الجاري في بهو المتحف؛ تكريمًا لهذه المبادرة المجتمعية الملهمة.
الشباب والتكنولوجيا.. توازن مطلوب
وبشأن جذب الشباب البحريني، قالت السادة “نؤمن أن التكنولوجيا جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية، لكنها لا تُلغي أثر التفاعل البشري، وعبر تجربة (إنكيرو)، أثبتنا إمكانية تحقيق توازن بين العنصر البشري والتقني، فالمرشد السياحي يُقدم المعلومات بلغة الجسد والتواصل، ويُكمل الزائر تجربته عبر التطبيق”.
وأردفت “يمكنك رؤية المتحف على شاشة هاتفك، لكن لا شيء يُضاهي وقع القدم في أروقة التاريخ”.
كلمة ورسالة
واختتمت السادة حديثها برسالة محورية، قائلة “المتاحف مرآة للمجتمع، وجزء من حضارته وهويته، وعليه، فإن متحف البحرين الوطني يُعد منصة مفتوحة للجميع، تُشجع المبادرات، وتستقبل الأفكار، وتُعزّز التفاعل الثقافي، والفني، والاجتماعي”.