العدد 6066
السبت 24 مايو 2025
banner
المفتاح لحل أزمة الازدحام المروري
السبت 24 مايو 2025

أصبحت الازدحامات المرورية سمة بارزة في شوارع وطننا العزيز، فلا يكاد يخلو شارع أو تقاطع من هذا المشهد المألوف، وتعددت التفسيرات حول أسبابها، فمنهم من يعزوها إلى كثرة المركبات وتضخم أعدادها بشكل يفوق قدرة الطرق على استيعابها، ومنهم من يرى أن السبب يكمن في ضعف البنية التحتية، وعدم كفاءة شبكة الطرق، أو سوء التخطيط العمراني، وعلى الرغم من وجاهة هذه الأسباب وأهمية تأثيرها، إلا أنني أرى أن هذه الأسباب قد تكون ثانوية في جوهرها، بينما يكمن السبب الرئيس في غياب الأخلاق لدى بعض سائقي المركبات، نعم للأسف الشديد نواجه اليوم أزمة أخلاقية جلية في سلوك القيادة على الطرق.

ولا يخفى على أحد ما نراه يوميا من تصرفات لا تمتّ إلى الأخلاق بصلة، بل تكشف عن أنانية مفرطة، وقلة وعي بآداب الطريق، فبعض السائقين - هدانا الله وإياهم - يتصرفون كأن الطريق ملكية خاصة لهم، إذ يقود أحدهم سيارته ببطء شديد لا لشيء سوى قراءة رسالة أو الرد على مكالمة، غير مبال بما يحدثه من ازدحام وإرباك للسير، وكأن السيارات المتكدسة خلفه أشباح لا ترى! بينما يركن آخر سيارته في منتصف الطريق، أو يغلقها تماما لشراء غرض عابر، بل وصل الأمر ببعضهم - في وقاحة صارخة - إلى تبادل أطراف الحديث مع صديق، دون أدنى إحساس بالذنب، أو مراعاة لمشاعر الآخرين.

إن هذه الممارسات الخاطئة ليست مجرد تصرفات فردية عابرة، بل هي انعكاس لأزمة أخلاقية حقيقية يعاني منها شريحة من السائقين، والأخطر أن نتائجها لا تقتصر على الزحام فحسب، بل تمتد إلى حوادث دامية تزهق أرواح الأبرياء، أو إلى مشادات كلامية تتحوّل أحيانا إلى عراك وعنف لا تحمد عقباه؛ ما يزرع التوتر والاضطراب النفسي في نفوس مرتادي الطرق في مشهد يجسّد غياب الوعي، وانهيار الشعور بالمسؤولية.

ولا بد هنا من التأكيد على أن أخلاق القيادة تعدّ جزءا لا يتجزأ من الأخلاق العامة التي دعانا إليها ديننا الحنيف، فقد أمر الإسلام المسلم بأن يكون مسؤولا عن تصرفاته، مراعيا حقوق الآخرين، لاسيما في الطرق؛ لما للطرقات من حقوق وآداب عظيمة. وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث الشريف حين قال: “إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، فقال: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر”. إن هذا الحديث العظيم ينبغي أن يكون مرجعا لكل مستخدمي الطرق، فإذا تعرّضت لإساءة من سائق مثلا، فاذكر وصية النبي، صلى الله عليه وسلم، فاغضض بصرك، وتجنّب ردّ الإساءة، وحافظ على مسافة قانونية تتيح للآخرين الحركة بأمان، وقلل من الإضاءة العالية كي لا تزعج المارة. وفي حال شاهدت سلوكا مخالفا، تواصل مع الجهات المختصة لإبلاغها، فذلك إنكار للمنكر وأمر بالمعروف.

إن القيادة الأخلاقية لا تقتصر على مجرد الالتزام بالسرعة المحددة أو إعطاء الأولوية، بل تمتد لتشمل الصبر على المخطئ، والتسامح مع الجاهل، والحكمة في المواقف العصيبة، والتحرّي عن كل ما يعرّض حياة الآخرين للخطر، فالسائق الأخلاقي يدرك أن الطريق ملك للجميع، وأن لكل مستخدم حقّا فيه، فلا يلحق الأذى، ولا يثير الإزعاج، ولا يتعدى الحدود، ولا يقصّر في واجباته، فالطريق ليست ساحة لتصفية الحسابات أو لسوء الظن أو لإبراز الهيمنة، بل هي مساحة تتطلّب التعاون والتراحم وتقديم التنازلات حفاظا على السلامة العامة. ومن ثمّ، فإن الالتزام بقواعد المرور لا يندرج تحت الواجب القانوني فحسب، بل هو مسؤولية أخلاقية ودينية تعكس سمو النفس ورفعة الخلق.

 

* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية