استوقفني مقطع فيديو لسيدة خليجية تُعبِّر عن دهشتها من ارتفاع سعر كوب القهوة في البحرين إلى ضعف سعره في بلدها. هذا المثال البسيط يفتح الباب لسؤال جوهري: كيف يتم تحديد سعر المنتج في السوق من الناحية المحاسبية؟ في محاسبة التكاليف، يعتمد تحديد السعر على حساب تكلفة الإنتاج التي تشمل تكاليف مباشرة كمواد الخام، وتكاليف غير مباشرة كأجور العمال والإيجارات ورسوم التراخيص، يُضاف إليها هامش الربح الذي يحدده التاجر، ليصل المنتج إلى السوق بسعر مبدئي قبل احتساب الضريبة، وبناءً على ذلك، يمكن تفسير ارتفاع الأسعار إما بزيادة منطقية في تكاليف الإنتاج، أو لجشع بعض التجار الذين يفرطون في رفع هامش الربح دون مبرر.
ومن الطبيعي أن يُفضي غلاء الأسعار إلى بروز عدد من المشاكل الاقتصادية الواضحة للجميع، منها ارتفاع معدل التضخم، وتزايد حالات الإفلاس، والإغلاق بين أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ ويرجع ذلك إلى إحجام المستهلكين عن الشراء نتيجة ضعف قدراتهم الشرائية، ما يتسبب في خسائر جسيمة لهذه المؤسسات ويهدد استمراريتها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المشاريع تُعد عصب الاقتصاد الوطني، إذ تشكل النسبة الأكبر في القطاع التجاري، ما يجعل ضبط أسواقها ضرورة حيوية لاستقرارها.
وأما معالجة الغلاء فليست مستحيلة، بل يمكن تحقيقها على أرض الواقع إذا توفرت الإرادة، ويتطلب ذلك بداية تحليل أسباب الغلاء بدقة؛ فإذا كان ناتجًا عن ارتفاع تكاليف إنتاج سلع ضرورية كالأدوية والغذاء؛ فمن المنطقي أن تتدخل الدولة بدعم هذه السلع أو تخفيف الأعباء الضريبية على المنتجين. أما إذا تعلق الأمر بسلع كمالية؛ فيجب أن تركز الجهود على مراقبة الأسعار وضمان شفافية آلية التسعير، مع توعية المستهلكين بحقوقهم.
وفي حال تفشي الجشع التجاري؛ حيث يبالغ بعض التجار في هوامش الربح بشكلٍ فاحش، لابد من فرض قيود قانونية تحمي السوق من الاحتكار، وتعزّز مبادئ المسؤولية الاجتماعية التي تُلزم التاجر بالتوازن بين تحقيق الربح، وحماية المجتمع من الاستغلال.
باختصار، إن معالجة الغلاء تحتاج إلى رؤيةٍ شاملةٍ تنتقل من تشخيص المشكلة إلى تطبيق حلولٍ عملية، مع وضع مصلحة المواطن في صلب السياسات الاقتصادية؛ فالتوازن بين حرية السوق والعدالة الاجتماعية ليس خيارًا فحسب، بل ضرورة لضمان استقرار المجتمعات، وضمان نموها المستدام.
كاتب بحريني