العدد 6049
الأربعاء 07 مايو 2025
banner
مشاهد لا تتمنى رؤيتها
الأربعاء 07 مايو 2025

 خلال الأسبوع الماضي، قرأت عن عدة جرائم في البحرين تورط فيها أفراد من العمالة الآسيوية، مع الأسف، من بينها جريمة قتل، وتجارة مخدرات، وصيد غير مشروع. وهذا يحتّم علينا إعادة النظر في الجوانب الأخلاقية والاجتماعية لهذه العمالة، وليس الاقتصادية فقط.
 يظهر هذا الأمر بشكل واضح في بعض فرجان المنامة، حيث تجد طوفانًا بشريّا من أفراد هذه العمالة، وربما في ساعات متأخرة من الليل تجد بينهم سكارى يترنحون، وبعضهم يفترش الطرقات والمسطحات الخضراء هناك، بل ربما ينام فيها، وكأن لهم عالمهم ومجتمعاتهم المنفصلة عنا تمامًا.
بعض أفراد هذه العمالة لا عمل نظامي لديه، وبالتالي يمكن أن يقوم بأي عمل يحقق له دخلًا: غسيل سيارات أو سجاد، أو الهدم والنقل والبناء الخفيف وغيرها من الأعمال البسيطة، يسرح ويمرح هنا وهناك بلا حسيب أو رقيب. والأخطر من ذلك، الآسيويون المشردون في الشوارع طوال النهار والليل، لا شغلة ولا مشغلة كما يقال، وهؤلاء قد يكونون غير أسوياء عقليًّا ونفسيًّا، بل ومصدر خطر على الجميع.
يُقدّر عدد العمالة الآسيوية في البحرين بحوالي 85 % من إجمالي الوافدين، الذين يمثلون بدورهم 55 % من سكان المملكة، وتتركز هذه العمالة في قطاعات البناء (30 %)، والخدمات المنزلية (25 %)، والنقل، كما تنتشر في المناطق الصناعية كالحد وسترة، والأحياء السكنية المكتظة مثل المحرق ومدينة عيسى، وذلك بحسب بعض الإحصائيات الرسمية.
 وعلى الرغم من المساهمة الكبيرة لهذه الجالية في دفع عجلة الاقتصاد، إلا أننا نواجه في البحرين تحديات مرتبطة بالعمالة غير النظامية، والتي تُقدّر بـ 26 % من إجمالي الوافدين، خاصة في قطاعات مثل النقل غير المرخص، مما يستدعي معالجة متوازنة تزامنًا مع سياسات توطين الوظائف وإيجاد المزيد من فرص العمل لأبنائنا البحرينيين.  
 وعلى صعيدٍ آخر، فإن تدفق العمالة الآسيوية إلى البحرين، سواء كانت نظامية أو غير نظامية، يمثل قضية اقتصادية ذات أبعاد متعددة، أبرزها تأثيرها المحتمل على سوق العمل المحلي؛ حيث يرى البعض أن هذا التدفق، خاصة في القطاعات التي لا تتطلب مهارات متخصصة، قد يؤدي إلى نوع من المزاحمة للعمالة البحرينية؛ فمع ازدياد أعداد العمال الوافدين، يواجه المواطنون صعوبة أكبر في الحصول على فرص عمل في بعض المجالات، أو قد يضطرون إلى التنافس على وظائف بأجور وظروف عمل أقل جاذبية. هذا الأمر يثير مخاوف مشروعة بشأن مستقبل التوظيف للمواطنين، خاصة الشباب الخريجين، وإمكانية تأثير ذلك سلبًا على مستويات الدخل والرفاه الاجتماعي للأسر البحرينية.
وإلى جانب التأثيرات المحتملة على سوق العمل، يمتد الأثر الاقتصادي لوجود الجالية الآسيوية ليشمل قطاع السياحة الحيوي في مملكة البحرين؛ حيث تعتمد السياحة بشكل كبير على الصورة الذهنية الإيجابية التي تروّج لها البلاد كوجهة جاذبة وآمنة ومضيافة. وفي هذا السياق، فإن أي تصورات سلبية قد تتكوّن لدى السياح أو الزوار المحتملين نتيجة لتصرفات أو سلوكيات غير مرغوبة قد تُنسب إلى قلة من أفراد الجالية الآسيوية، يمكن أن تلقي بظلالها على جاذبية البحرين السياحية. فقد تؤدي بعض الحوادث أو الأخبار السلبية المتعلقة بالجريمة أو المخالفات القانونية التي قد يرتكبها أفراد من هذه الجالية إلى تشويه الصورة العامة للبلاد وتقليل رغبة السياح في زيارتها. ونظرًا للدور الهام الذي يلعبه قطاع السياحة كمصدر للدخل الوطني وتوفير فرص العمل، فإن الحفاظ على صورة إيجابية للبحرين وتعزيز الأمن والنظام العام يمثل أولوية قصوى لضمان استدامة النمو في هذا القطاع.
 ختامًا، إن التعامل مع ملف الجالية الآسيوية في البحرين يتطلب رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار الإسهامات الإيجابية لهذه الجالية والتحديات المصاحبة لوجود بعض أفرادها؛ حيث إن تعزيز الإجراءات القانونية لضمان نظامية الإقامة والعمل، وتكثيف الجهود الأمنية لمكافحة الجريمة والسلوكيات غير المقبولة، بالإضافة إلى تبني سياسات اقتصادية توازن بين استقطاب الكفاءات الوافدة وحماية فرص العمل للمواطنين، كلها خطوات ضرورية لضمان تحقيق أقصى استفادة من التنوع الثقافي والاقتصادي، مع الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع البحريني.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .