كثيرا ما سمعنا حديثا كلمة “الاستدامة”، التي ارتبطت برؤية 2030 التنموية، والتي بطبيعة الحال تكررت كثيرا على أفواه كثيرين، وأصبحت عنوانا لثقافة ومفهومية تعبّر عن أفكار نخب المجتمع في كيفية تفسيرها وتطبيقها كمنهجية حديثة. ولكن، للأسف، تم حديثا استغلال هذا المصطلح في أطروحات بعضها مضحك، كمن فسّر الماء بالماء. مثال ذلك: من أراد استدامة الاستثمار في المقابر، وآخرون لم يعلموا ما تعني الاستدامة، ما جعلنا، نحن من نمثل المجتمع البحريني المثقف، نجد لزاما علينا أن نقف وقفة جادة لإعادة شرح هذا المصطلح، لوقف استنزافه أو تأويله بمعنى أعجمي لا أصل له ولا جواب!
إن الاستدامة في معناها الأعمق: هي القدرة على تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم أو مكتسباتهم، وهي تنقسم إلى ثلاثة أنواع لا رابع لها:
الاستدامة بأنواعها الثلاثة: البيئية، والاقتصادية، وأخيرا الاجتماعية، يجمعها أهم عنصر غاب عن شرح الإعلام، وهو أن الاستدامة برزت كأخلاقيات واستجابة لرغبة الجمهور وتلبية تطلعات المجتمع. فمن أين أتت “المقابر المستدامة”؟! والأخطر من عبّر عن “استدامة الشخصيات والمسؤولين في مناصبهم” وتغيير القوانين! وهذا أمر لا يمت إلى الاستدامة بصلة لا من قريب ولا من بعيد.
أولا، الاستدامة البيئية تهدف إلى تنمية واستمرار موارد الدولة الطبيعية للأجيال القادمة. وتليها، ثانيا، الاستدامة الاقتصادية، وهي خلق استفادة اقتصادية طويلة الأمد مع تنوع مصادر الدخل والتركيز على معدل نمو اقتصادي إيجابي أو مضطرد. وهذا ما يقودنا إلى النوع الأخير من الاستدامة، وهي الاستدامة الاجتماعية، والتي يبدو أنها أصبحت مرتعا لكل تائه أو من يريد التأويل ليقنعنا بأنها “رغبة الوطن” في الاستدامة الاجتماعية عبر الشخصيات، سواء الأحياء منهم أو الأموات في المقابر! وهو أمر لا يمت إلى الاستدامة بصلة، بل يجب أن يُحظر على هؤلاء استخدام المصطلح، حتى لا يكونوا أضحوكة عند تمثيل البحرين دوليا أو حتى محليا، بسبب سوء الاستخدام!
إن الاستدامة الاجتماعية، في أبهى صورها، تتعلق بإنشاء هياكل تنظيمية تدعم رفاهية جميع الأفراد في المجتمع، وتدعم العدالة الاجتماعية وحقوق الأفراد.
ومن هذا المنبر المتواضع، أناشد نخب المجتمع، والمسؤولين أيضا، التصدي لكل من يريد خلق مفاهيم غير صحيحة، وغير معرّفة وطنيا، ونسبها إلى الاستدامة، بل وتأكيدها أو تكرارها علنا!