في عام 2007، واجهت شركة جنرال إلكتريك (GE) تحدّيًا في أحد قطاعاتها الصناعية، حيث كانت الإيرادات تنخفض رغم الاستثمارات التقنية الكبيرة. لم يكن الخلل في المعدات أو السوق، بل في فرق العمل. حينها قرّر المدير التنفيذي للقسم مراجعة آليات اختيار القيادات المستقبلية، واستعان بفريق من علماء السلوك والتنمية البشرية. بعد أشهر من الدراسة، توصلوا إلى نتيجة مذهلة: الأداء المرتفع لا يكفي، بل يجب أن يترافق مع القدرة على التعلم، ومهارات التواصل، والدافع الداخلي. هذه التجربة الحقيقية كانت من أوائل النماذج التي دعمت علميًّا التوجه نحو ما يُعرف اليوم ببرامج “الموظفين ذوي الإمكانات العالية “. (HiPo)
منذ ذلك الحين، أثبتت الدراسات أن الاستثمار في الأشخاص المناسبين لا يعزّز فقط الإنتاجية، بل يمكن أن يضاعف عوائد المؤسسة. ومع ذلك، يبقى الواقع أكثر تعقيداً. فمع القيود المالية وضغوط السوق، لا تملك المؤسسات رفاهية تطوير الجميع بنفس المستوى، ما يجعلها بحاجة ماسة إلى أدوات دقيقة لتحديد من يستحق هذا الاستثمار فعلًا. فالسؤال اليوم لم يعد: “هل نطوّر موظفينا؟”، بل: “في مَن نبدأ؟”.
الإجابة تبدأ من ثلاثة مؤشرات جوهرية تُجمع الأبحاث على كونها مفتاح التميّز: أولًا: القدرة: وهي تتعلق بما يمكن أن ينجزه الشخص، وليس فقط ما يعرفه اليوم. هل يمتلك المهارات التقنية والذهنية اللازمة لأداء دوره بكفاءة؟ هل يستطيع أن يتطور بسرعة؟. ثانيًا: المهارات الاجتماعية: هل يستطيع بناء علاقات عمل فعّالة؟ هل يعرف كيف يُقنع، يتعاون، ويقود فرقًا؟ الكفاءة الاجتماعية ليست مجرد لباقة، بل حجر زاوية في بيئات العمل المعقدة.
ثالثًا: الدافع: الرغبة الحقيقية في التقدم، والتزام غير مشروط بالتحسين الذاتي وتحقيق الأهداف. الموظف الذي يعمل بـ “الحد الأدنى” لن يقود مؤسسة نحو الأعلى.
العديد من المؤسسات تنفق موارد ضخمة على أنظمة تقييم معقدة، بينما يمكنها ببساطة وفعالية التركيز على هذه الركائز الثلاث. إنهم لا يبحثون عن أشخاص كاملين، بل عن أشخاص مستعدين للنمو.
الاستثمار في “القلة المؤثرة” لا يعني إهمال البقية، بل هو استثمار استراتيجي. فهؤلاء الموظفون حين يتم تمكينهم، يُصبحون قوة دافعة تُلهم فرقهم، وتعيد تعريف سقف الطموح في بيئة العمل.
في النهاية، النجاح المؤسسي لا يتحقق بالأدوات فقط، بل بالعقول والقلوب التي تحرّكها.
*كاتبة بحرينية