+A
A-

المحامي يوسف مهدي يبدي تحفظه على بعض مواد قانون المحاماة الجديد

أبدى المحامي يوسف مهدي تحفظه على بعض مواد مشروع قانون المحاماة الجديد، مشيرًا إلى أنها قد تُفهم أو تُستخدم في غير محلها وتفتح الباب – ولو بشكل غير مباشر – لغير المحامين للدخول في المهنة أو التأثير عليها من خارج الجسم المهني.

وأكد مهدي أن “المحاماة مهنة لا تحتمل التداخل، ولا يصح أن يكون لغير المحامي موطئ قدم فيها، لا من خلال شركات ظاهرها تنظيمي وباطنها تجاري، ولا من خلال إجراءات قانونية تضعف استقلالية المحامي”. وأضاف: “نعم، نحن مع التطوير والتنظيم والتدرج، لكن يجب أن يكون هناك خط أحمر واضح: من يمارس مهنة المحاماة، يجب أن يكون محاميًا مرخّصًا، خاضعًا للتدريب، مجتازًا للتقييم، وملتزمًا بميثاق الشرف المهني”.

وأشار إلى أن هذا التحفظ يأتي من باب الحرص لا الرفض، مؤكدًا أن القانون الجديد يتضمن جوانب تستحق الدعم، لكن يبقى على الممارسين التنويه عن أي نقطة قد تُستغل أو تُسبب خللًا في مستقبل المهنة.

وأبدى مهدي رأيه بخصوص المادة (22) التي تمنح استثناءً من بعض متطلبات القيد للمحامين الذين سبق لهم الاشتغال في وظائف قانونية في الجهات الحكومية أو المؤسسات الرسمية، مقترحًا أن يشمل هذا الاستثناء أيضًا من سبق له العمل في مواقع قانونية في القطاع الخاص، مثل الشركات الكبرى أو مكاتب الاستشارات القانونية، شريطة استيفاء ضوابط مهنية إضافية.

وبرر مهدي ذلك بأن “أغلب القانونيين العاملين في القطاع الخاص يتعاملون مع تشريعات متعددة، ما يمنحهم خبرة عملية متنوعة واحتكاكًا مباشرًا بالمجالات القانونية المختلفة التي تلامس صميم عمل المحامي”. واقترح تعديل المادة (22) بحيث تنص على جواز شمول من سبق له العمل في مواقع قانونية في القطاع الخاص ضمن الاستثناء، شريطة أن يخضع لبرنامج تدريبي متخصص تحدده الجهة المختصة، وأن يجتاز امتحان قبول مهني تنظمه وزارة العدل بالتنسيق مع جمعية المحامين.

وقال إن هذا يضمن أن من يتم استثناؤه يملك الخبرة الفعلية والمعرفة القانونية الكافية، وفي الوقت ذاته يخضع لمعيار مهني واضح يحفظ للمهنة مستواها.

وفيما يخص تحفظات جمعية المحامين البحرينية، رأى مهدي أن موقف الجمعية متزن وواقعي، ويعكس حرصًا مهنيًا حقيقيًا على حماية جوهر المهنة وعدم التفريط في استقلالها.

وأكد أن “التحفظ على الشراكة مع غير المحامين (المادتان 40 و41) هو تحفظ مشروع ومفهوم تمامًا، فالمهنة القانونية تختلف عن الأنشطة التجارية، وأي تداخل بينهما قد يخلق تضارب مصالح أو يُضعف من القيم المهنية”.

وأشار إلى أن الاتجاه العالمي لا يُحبذ إدخال العقوبات المالية على المخالفات المهنية، إلا إذا ترتبت عليها أضرار مادية جسيمة، مؤكدًا أن تحفظ الجمعية في هذا الجانب في محله.

وفيما يخص دليل الاشتغال لعامين (المادة 15)، أشار إلى أن “كلام الجمعية منطقي جدًا، لأن المحامي ليس موظفًا يُثبت حضوره أو إنتاجه بشكل رقمي، بل طبيعة عمله سرّية، ومجرد إثبات اشتغال لا يجب أن يكون على حساب خصوصية الموكل”.

أما بخصوص المحامين غير البحرينيين، فأوضح أن “الرأي التقليدي في معظم الدول هو حماية المهنة للمواطنين، لكن مع فتح نوافذ محدودة للمشاركة الأجنبية في إطار ضوابط مشددة”، مؤكدًا أن الجمعية لا تعارض التعاون، ولكنها تطالب بالحد من التوسع المبالغ فيه، وهو موقف متوازن

أوضح مهدي أن مشروع قانون المحاماة الجديد لا يكتفي بتنظيم الإجراءات فقط، بل يسعى فعليا إلى بناء بيئة مهنية رصينة ومجتمع قانوني تحكمه القيم والعقل والانضباط والالتزام، عادًّا المشروع خطوة في الاتجاه الصحيح نحو مهنة أكثر احترافية ومصداقية، تعكس الوجه الحضاري لمملكة البحرين في مجال العدالة والقانون. 

ولفت مهدي إلى أن مشروع القانون أعاد تعريف المحاماة ودورها المجتمعي بأنها “مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون وكفالة حق الدفاع”، لافتا إلى أن هذا التوصيف يهدف إلى ترسيخ مفهوم الشراكة مع العدالة، وتعزيز موقع المحامي كمكون أساسي ضمن المنظومة القانونية، وهو ما يتماشى مع المعايير الدولية التي تشدد على استقلالية المحامي وحريته في أداء دوره دون ترهيب أو تدخل، بوصفه أحد عناصر العدالة لا طرفا خارجيا عنها.  

وبيّن أن من أبرز ملامح التغيير الجذري في المشروع، ما ورد في المادة رقم 8 بشأن شروط الانضمام إلى المهنة، التي تضمنت اجتياز امتحان القبول قبل منح الترخيص وتسجيل المحامي في الجدول العام، وهو ما يمثل نقلة نوعية تهدف إلى ضمان جودة مدخلات المهنة، وتحقيق كفاءة مهنية عالية للمنتسبين الجدد.  

وذكر أن المشروع قدّم أيضا تنظيما مؤسسيا تصاعديا لممارسة المحاماة وفق الخبرة، وعزز مبادئ الأخلاقيات المهنية والانضباط السلوكي.  

وبيّن أن المشروع عزز جمعية المحامين البحرينية، ودورها، وجعلها أكثر حضورا وتأثيرا في المنظومة المهنية؛ لتكون كيانا نقابيا قويا، قادرا على حماية أعضائه وتنظيم سلوكهم، أسوة بالأنظمة القانونية المتقدمة في العالم.  

وأردف أن روح القانون تتماشى مع المعايير العالمية المرتبطة باستقلالية المحامي، وسرية عمله، وحق الدفاع، وهي مبادئ أقرتها المواثيق الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمبادئ الأساسية لدور المحامين الصادرة عن الأمم المتحدة.  

واختتم المحامي يوسف مهدي بأن مشروع قانون المحاماة الجديد لم يأتِ فقط لتحديث النصوص، بل جاء ليؤسس لبيئة مهنية عالية التنظيم، قائمة على الكفاءة، والانضباط، والاستقلالية، والمسؤولية الأخلاقية لإعلاء من شأن المهنة، ورفع مكانة المحامي، ومنح المجتمع ثقة أكبر في منظومة العدالة.