العمل التطوعي في مجالات الخير المتنوعة عمل نبيل، ويدل على صدق وإخلاص واحتساب، والذي يقوم به حري بالأجر والرفعة في الدنيا والآخرة، وكما قيل.. أن تكون متطوعاً فأنت قنديل أمان يظنك اليتيم أباه ويراكَ العجوز عكّازه ويطمئن عامل النظافة لأنك سنده، فهذه العبارة تختزل أجمل ما قيل في العمل التطوعي والمتطوعين، وتسلّط الضوء في ذات الوقت على قيم إنسانية نبيلة مثل التضامن والتكافل والتآزر وغيرها، والتي تعمل على تعزيز النسيج المجتمعي وتساعد في تعزيز الشعور بالانتماء والالتزام لدى المواطنين تجاه مجتمعهم على كل الأصعدة. لكن هناك سؤال دائما يحيرني، خصوصا لمن يعمل في هذا المجال (العمل التطوعي)، وأريد الإجابة! ألا وهو؛ هل أنا فعلا مستعد للعمل التطوعي؟
وبعد البحث والتنقيب وجدت أن هناك مسألة الانتظام في العمل التطوعي، والانضباط في مواعيده، والقيام بمسؤولياته على الوجه الذي ينبغي؛ حيث إن بعض العاملين في ذلك الميدان يظن أنه إذا كان يعمل بدون أجر يأخذه مقابل عمله - فإن له الخيار في أن يأتي متى شاء وكيف ما شاء، وأنه غير مطالب بما يُطالب به من يأخذ على عمله أجرا؛ لذا تجده لا يبالي بأوقات الدوام، ولا يعنيه أن يقوم بالأعمال التي تسند إليه. بل يرى أن ما يأتي به من عمل إنما هو ربح لتلك الجهة التي ينتمي إليها، وأنه غير مطالب بكل ما يسند إليه؛ لأنه يرى أنه محسن وما على المحسنين من سبيل. وبلا شك ذلك الفعل غير صحيح؛ إذ يقلل إنتاج العمل وجودته، ويوقع المسؤولين في حرج؛ فهم يرغبون أن يسير العمل كما ينبغي، ويستحون في الوقت نفسه من محاسبة ذلك المقصر أو معاتبته؛ كونه لا يأخذ على عمله أجراً.
لذا يجب على من انتظم في سلك العمل التطوعي أن يقوم بالعمل الذي يناط به على الوجه المطلوب، أو أن يطلب التخفيف عنه إذا كان لا يستطيع القيام بكل ما أنيط به، أو أن يتنحى جانباً ويدع المجال لغيره إذا لم يكن لديه استعداد للانضباط.
أما أن يوافق على القيام بعمل ما، ثم يقصر في أدائه بحجة أنه تطوع منه فليس من المروءة في شيء؛ ذلك أن العمل التطوعي له أركان وواجبات، وإن كان في أصله مستحباً مندوباً، شأنه شأنُ غيره من القرب المستحبة، فهل يسوغ لمن حج تطوعاً أن يدع الوقوف في عرفة أو الطواف بالبيت بحجة أنه حج تطوع؟ الجواب: لا.
وكذلك إذا أدى السنة الراتبة، أو سنة الضحى هل يسوغ له ترك الركوع أو السجود بحجة أن تلك الصلاة غير مفروضة عليه؟ الجواب: لا.
وهكذا العمل التطوعي وإن كان لا يشبه المثالين السابقين من جميع الوجوه، وبالجملة فإن على من رغب في القيام بالعمل التطوعي أن يقبل عليه بجد، وإخلاص؛ وإلا فلا يحرج نفسه وغيره في تقصيره وإخلاله.
أن تكون متطوعا أن تكون قدوة في التضحية.. أن تكون متطوعا أن تكون قدوة في الالتزام.. أن تكون متطوعا أن تكون مثالا يحتذى به في خدمة الناس. وفقنا الله وإياكم للخير.
مدير جمعية العائلة البحرينية