بمناسبة اليوم العالمي لمتلازمة داون
ماجدة تروي تجربتها مع شقيقها “غسان”: رحلــة حــــــــب وتحديــــــــات وضحـــــــك
بمناسبة اليوم العالمي لمتلازمة داون، وانطلاقًا من حرصها على تسليط الضوء على أهمية هذا اليوم وهذه الفئة الغالية، أجرت صحيفة البلاد مقابلة مع ماجدة، التي كرّست حياتها لدعم شقيقها الأصغر غسان، المصاب بمتلازمة داون. ماجدة ليست مجرد شقيقة، بل هي أم ثانية، صديقة، وداعمة رئيسية له، حيث رافقته في كل مراحل حياته، وسعت إلى دمجه في المجتمع ليعيش حياة مليئة بالحب والاحترام.
منذ اللحظة الأولى لولادة غسان، أدركت أن حياتي ستتغير، إذ شعرت بمسؤولية كبيرة تجاهه. لم أكن مجرد أخت، بل أصبحت بمثابة أم ثانية له، أحتضنه، وأرعاه، وأوجهه في كل خطوة. لم يكن الأمر سهلًا، لكنه كان مليئًا بالمحبة واللحظات الجميلة التي صنعت بيننا رابطة قوية.
مسؤولية مبكرة ودور الأم البديلة
منذ ولادته، كنت أشعر أنني مسؤولة عنه، كنت أرافقه إلى المستشفيات، وأهتم بتعليمه، وأسجله في المراكز المختصة، حتى إنني كنت أتابع كل شيء يخصه وكأنني والدته أكثر من كوني شقيقته. ومع مرور السنوات، ازدادت هذه المسؤولية، خاصة بعد وفاة والدتي، حيث أصبحت الراعية الأساسية له.
إدماجه في المجتمع وتطوير مهاراته
حرصت منذ صغره على ألا يكون معزولًا، بل أن يكون جزءًا من المجتمع. أدخلته معاهد خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، وأشركته في أنشطة متلازمة داون الدولية، وحرصت على أن يشارك في النوادي الرياضية والبرامج الترفيهية والتعليمية. كنت أريده أن يكون مثل أي شخص آخر، يعرفه الناس، ويعرف كيف يتعامل معهم.
في البداية، كنا نخشى خروجه وحده، لكنني قررت أن أتركه يستكشف العالم حوله تدريجيًا. كنت آخذه إلى أماكن مختلفة، وكنت أحرص على أن يتعرف الناس عليه، حتى أصبح معروفًا في قريتنا، الجميع ينادونه باسمه أينما ذهب.
تحديات التربية والتعامل مع الصعوبات
على الرغم من المسؤولية الكبيرة التي تحملتها، لم أشعر يومًا أن هناك تحديًا يفوق قدرتي. غسان ذكي جدًا، تعلم كيف يعتمد على نفسه، وكنت أتابعه من بعيد وأوجهه عند الحاجة. لم أحرمه من أي تجربة، بل شجعته على أن يكون شخصًا مستقلًا قدر الإمكان.
في طفولته، كان بعض الأطفال ينظرون إليه بطريقة مختلفة، وكانوا يحتاجون وقتًا للتأقلم معه، لكنني كنت أحرص على أن يكون بينهم حتى يتقبلوه. أؤمن أن الدمج هو الحل لأي نظرة مختلفة، وأنه كلما تعود المجتمع على وجود ذوي الاحتياجات الخاصة، قل التنمر وزادت فرصهم في الحياة.
العمل والهوايات: رحلة البحث عن الشغف
جرب غسان العمل في مشروع زراعي مخصص لذوي الإعاقة، لكنه لم يكن شغوفًا به. كان يتحجج دائمًا بأنه يريد العمل في مكتب، وعندما جربناه في وظيفة أخرى، وجدناه يمل بسرعة ويقرر أنه لا يريد الاستمرار. كان لديه طريقة طريفة في التهرب من العمل، وكان دائمًا يقول: “أنا أريد مكتبًا، لا أريد عملًا شاقًا”.
غسان يعشق الهدايا، حتى لو كانت بسيطة جدًا. مهما كان الشيء صغيرًا، فهو يعتبره كنزًا، ويسعد جدًا عندما يحصل على هدية. كما أنه مادي جدًا، دائمًا يسأل: “هل هذا مجاني أم يجب أن أدفع؟” وعندما نقول له إنه مجاني، يكون سعيدًا جدًا!
السفر والمواقف الطريفة
السفر مع غسان قصة بحد ذاتها! هو يكره السفر، وحين نخطط للذهاب في رحلة، يقول: “لماذا أذهب معكم؟ أنتم تذهبون للتسوق، وأنا ماذا أفعل؟”.
ومرة، فاز بجائزة سفر إلى إيطاليا، فقلت له: “غسان، لديك رحلة مجانية إلى إيطاليا!” فكانت أول ردة فعل له: “هل الفندق والطعام مجانًا أيضًا؟” هو دائمًا يفكر في الأمور بهذه الطريقة، مما يجعل كل موقف معه مليئًا بالضحك.
رسالة للأهالي: احتضنوا أبناءكم وادمجوهم في المجتمع
أوجه رسالة لكل أسرة لديها طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة: “الدمج الاجتماعي هو المفتاح، لا تخشوا أن يكون أطفالكم بين الناس، علموهم كيف يتفاعلون مع المجتمع، فهذا سيجعلهم أقوى وسيجعل الآخرين أكثر تقبلًا لهم. التنمر موجود، لكننا نستطيع تقليله إذا جعلنا أبناءنا جزءًا من الحياة اليومية بشكل طبيعي.” التربية مسؤولية، لكنها أيضًا رحلة جميلة مليئة بالمواقف الممتعة. غسان ليس مجرد شقيق، بل هو صديق وحبيب، وكل يوم معه يحمل قصة جديدة تملؤها الضحكة والحب.