البحرين والتحليق نحو الفضاء.. خطوة للمستقبل
حمل الإطلاق الناجح للقمر الصناعي البحريني “المنذر” ووصوله إلى مداره الفضائي، قصة نجاح وعزيمة بحرينية للمنطقة، والعالم، وإنجازًا نوعيًّا في مجال الفضاء، كثمرة طموحة لرؤية ملك البلاد المعظم صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، لتعزيز المعرفة العلمية، وتنمية قطاع الفضاء، وإعداد كوادر وطنية قادرة على المساهمة في التطورات التكنولوجية العالمية.
ولم يكن دخول المملكة إلى عالم الفضاء وليد اللحظة، بل جاء نتيجة استراتيجية مدروسة وضعتها القيادة البحرينية لتعزيز مكانة المملكة في مجالات العلوم والتكنولوجيا المتقدمة. وقد تجلى ذلك بوضوح في تأسيس الهيئة الوطنية لعلوم الفضاء (NSSA) في العام 2014، والتي أوكلت إليها مهمة وضع السياسات والخطط لتطوير قطاع الفضاء في المملكة.
وسعت الهيئة البحرينية الخالصة، منذ إنشائها إلى بناء شراكات مع مؤسسات دولية مرموقة، والاستفادة من خبرات الدول الرائدة في الفضاء، إضافة إلى الاستثمار في تأهيل الكفاءات الوطنية الشابة القادرة على قيادة المشاريع الفضائية المستقبلية.
ففي 21 ديسمبر 2021، دخلت البحرين رسميًا عالم الفضاء بإطلاق أول قمر صناعي بحريني “ضوء 1”، وهو قمر نانوي تم تطويره بالتعاون بين الهيئة الوطنية لعلوم الفضاء وجامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا في الإمارات. وقد تم إطلاق القمر على متن الصاروخ “فالكون 9” التابع لشركة “سبيس إكس”، وذلك من قاعدة كيب كانافيرال الفضائية في الولايات المتحدة.
يعد “ضوء 1” مشروعًا مشتركًا بين البحرين والإمارات، وهو مصمم لمراقبة ظاهرة الانبعاثات الكهرومغناطيسية للبرق والعواصف الرعدية، ما يساهم في فهم الظواهر الجوية وتأثيراتها على الاتصالات والأقمار الصناعية الأخرى.
ولا يمثل “ضوء 1” مجرد إنجاز علمي، بل هو خطوة استراتيجية نحو تعزيز القدرات البحرينية في مجال علوم الفضاء، ومن أهم دلالات هذا المشروع، نقل المعرفة والتكنولوجيا، حيث ساهم في تدريب عدد من المهندسين والباحثين البحرينيين على أحدث تقنيات تصميم وإدارة الأقمار الصناعية، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، إذ يعد المشروع نموذجًا ناجحًا للشراكة الخليجية في مجال الفضاء، وهو ما يفتح آفاقًا لمزيد من التعاون في المستقبل، وكذلك تطوير البحث العلمي، حيث يتيح القمر فرصة لدراسة الظواهر الجوية والفضائية، ما يساعد العلماء في البحرين على المساهمة في البحوث الدولية.
وتسعى البحرين إلى توسيع حضورها في مجال الفضاء عبر عدة محاور رئيسة، منها إطلاق أقمار صناعية جديدة والذي كان آخرها “المنذر” والذي تم إطلاقه من قاعدة فاندنبرغ للقوات الفضائية في ولاية كاليفورينا الأميركية، وذلك في سياق خطط مستقبلية لتطوير أقمار صناعية بحرينية أكثر تطورًا، قد تكون مخصصة للاتصالات أو مراقبة الأرض.
وتواصل الهيئة الوطنية لعلوم الفضاء تقديم برامج تدريبية بالتعاون مع وكالات فضاء عالمية، مثل “ناسا” و ”وكالة الفضاء الأوروبية”، بهدف تأهيل المهندسين والعلماء البحرينيين، كما تعمل البحرين - في ذات السياق- على بناء شراكات جديدة مع الدول الرائدة في مجال الفضاء، ما يساعد على تبادل المعرفة والاستفادة من التجارب الناجحة، كما يتم العمل على تشجيع الطلاب البحرينيين على دراسة علوم الفضاء والهندسة، عبر برامج تعليمية ومسابقات تحفيزية.
إن دخول مملكة البحرين وفق الرؤية الحكيمة للقيادة الرشيدة، إلى عالم الفضاء لهو إنجاز يعكس الرؤية الطموحة للمملكة في مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية. ومن خلال إطلاق القمر الصناعي “المنذر” أثبتت البحرين قدرتها على الدخول إلى هذا المجال الواعد، مع طموحات مستقبلية لمزيد من التطوير والابتكار، ومع استمرار الاستثمار في البحث العلمي وتعزيز التعاون الدولي، يمكن أن تصبح البحرين لاعبًا فاعلًا في قطاع الفضاء على المستويين الإقليمي والدولي.