العدد 5997
الأحد 16 مارس 2025
الأوقاف استمرار آمن للمستقبل (2 من 5)
الأحد 16 مارس 2025

ما أجمل المنافسة في الخيرات، والمسابقة في فعل المبرات، ومنها التنافس في الأوقاف والمبادرة إليها، قال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا البِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]. ووجه الدلالة من الآية أن الوقف مما يدخل في وجوه البر بعموم اللفظ. وقد بادر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين إلى التخلي عن أنفس الأموال لديهم قربةً لله تعالى؛ فهذا أبو طلحة رضي الله عنه لما سمع هذه الآية، وكان أكثر الأنصار مالًا، انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليتصدق بأحب الأموال إليه، يرجو بره وأجره عند الله، ببستان له وبه ماء طيب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب منه، فقال له النبي: “بخٍ بخٍ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح”.
إن تطلع الإنسان إلى ما عند الله من جزاء، ومساهمته في استثمار أمواله لحصد الأجور لمستقبله الأخروي، وشعوره بالمسؤولية المجتمعية، كل ذلك يدفعه لعمل البر والمسارعة إليه.
وقد رغبت الشريعة في الإنفاق في وجوه الخير في كثير من النصوص الواردة في الكتاب والسنة؛ منها قوله عز وجل: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39].
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا) [البخاري حديث 1442، مسلم حديث 1010].
كما روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: أنْفِقْ يا بن آدم، أُنْفِقْ عليك) [البخاري حديث 5352، مسلم حديث 993].
ووعد الله تعالى المنفق في سبيله بالأجر الكبير؛ فقال سبحانه: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7].
طوبى لمن مات ولم تمت حسناته، فقد قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ} [يس: 12]، فدلت الآية على أن ما يبقى من الآثار الحسنة للميت بعد وفاته يؤجر عليها، ومن أبرز تلك الأعمال التي يستمر نفعها الوقف، فهو من الأعمال المكتوبة له، والمجازى عليها.
ولك أن تتخيل بل توقن بأن ما ينفقه المرء اليوم ويوقفه في أوجه البر والخير سيكون حسنات مستمرة بعد حياته، فإذا كان يوم القيامة رآه كالجبال، ولعمري، إن هذا هو الاستثمار الحقيقي، فما أحوجنا إلى المبادرة إليه بأنفسنا، وغرس معانيه في حياة الأبناء. 

 

ينشر هذا المقال بالتعاون بين صحيفة “البلاد” وإدارة الأوقاف السنية تزامنا مع الأسبوع الوقفي الخليجي التاسع تحت شعار “الوقف وبناء المجتمع”؛ لتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الوقف ودوره في تطوير المجتمع.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية