العدد 5996
السبت 15 مارس 2025
الوقف رافد عظيم من روافد الخير (1 من 5)
السبت 15 مارس 2025

الوقف من أعظم روافد الخير في المجتمعات الإسلامية؛ إذ يحقق التكافل الاجتماعي والترابط المجتمعي والتنمية الاقتصادية. ومفهوم الوقف هو: تخصيص الإنسان جزءًا من ماله يمكن الانتفاع به، مع بقاء أصله ومنعه من التداول بالبيع أو التوارث أو غير ذلك من التصرفات الناقلة للملكية، والتصدق بالمنفعة على وجه من وجوه الخير المتنوعة.  
إن للوقف تاريخًا راسخًا في القدم، ويقوم على أدلة ثابتة مستقرة في الشرع، ولا مناص من القول بأن العرب ومن قبلهم من الأمم السابقة في العصور المختلفة والملل المتنوعة عرفوا أنواعًا من الأوقاف، كأماكن المعابد، فلم تخلُ أمة من عبادة آلهة تعتقدها، ولم تخلُ من المدافن، لكن هذه الأوقاف كانت في الجملة على سبيل المفاخرة لا الإحسان والبر من جانب، ومناقضةً للتوحيد من جانب آخر، ثم جاء الإسلام فاختلف الوقف في غاياته وأهدافه ومنهجيته، وهذا هو المفهوم من قول الإمام الشافعي “لم يحبس أهل الجاهلية علمته دارًا ولا أرضًا، تبررًا يحبسها، وإنما حبس أهل الإسلام”.  
وأول ما عُرف من الوقوف قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة المشرفة؛ قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]، أي: أول بيت وضع للعبادة، فوُضع لعموم الناس؛ لعبادتهم ونُسُكهم، يطوفون به ويصلون إليه ويعتكفون عنده، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض، قال: المسجد الحرام، قلت ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون عامًا، ثم الأرض لك مسجد فحيثما أدركتك الصلاة فصل).  
إن العين الموقوفة تخرج ملكيتها عن الواقف، ولا تدخل في ملك الموقوف عليهم أو الناظر، بل ينتقل الوقف إلى حكم ملك الله على وجه القُربة والصدقة كملكية عامة، ثم تدار بقواعد شرعية، وتكون للوقف فيها شخصية اعتبارية، ذلك أن أحكام الوقف في الإسلام تقوم على أساس اعتبار الوقف في النظر الفقهي مؤسسة ذات شخصية حكمية، لها ذمة مالية وأهلية لثبوت الحقوق لها أو عليها، يمثلها من يتولى إدارة الوقف.  
ونظام الوقف أحد الأسس المهمة للنهضة الإسلامية الشاملة بأبعادها المختلفة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية، وقد وجدت الأوقاف على المساجد والمدارس والمستشفيات والمكتبات، وأسلوب الوقف قابل للتطوير والإبداع، وإن مثل الوقف كمثل الشجرة اليانعة الثابتة بجذورها في الأرض التي تؤتي ثمارها كل حين بإذن ربها، يأكل الناس منها، ويستظلون بظلالها الوارف، والوقف من القربات العظيمة التي تتصدر أبواب الخير، ولا تكاد تجد فردًا من أفراد المجتمع المسلم إلا وقد استفاد بصورة مباشرة أو غير مباشرة من الأوقاف؛ فهو يصلي في مساجد أوقفها محسنون، وأوقف عليها ما يضمن استمرار المسجد في أداء رسالته، ويتلو كتاب الله في مصحف موقوف، وقد يتعلم في مدارس موقوفة أو من ريع أوقاف، أو يتلقى العلاج في مستشفيات وقفية، بما يضمن للإنسان تأمينًا شاملا في احتياجات الحياة كافة.   

 

ينشر هذا المقال بالتعاون بين صحيفة “البلاد” وإدارة الأوقاف السنية تزامنا مع الأسبوع الوقفي الخليجي التاسع تحت شعار “الوقف وبناء المجتمع”؛ لتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الوقف ودوره في تطوير المجتمع.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية