العدد 5970
الإثنين 17 فبراير 2025
في الذكرى الأولى لرحيل الوجيه محمد بن عبدالله بن عيسى المناعي رحمه الله يــا أبـــي.. علـــى العهـــد باقــــون
الإثنين 17 فبراير 2025

ينقضي العام الأول بعد رحيلك يا أبي العزيز، وتحل الذكرى الأولى لفراقك المرير، فما نزداد إلا صبرا وسلوانا ورضا بحكم الله وقضائه، فقد اختارك المولى عز وجل في الـ 17 من فبراير 2024 إلى جواره، ونعم الجوار، اختارك لدنيا خير من دنيانا، اختارك لجنة الخلد بإذنه تعالى. لكن يظل فقدانك يا والدي مصابا جللا، ولولا ما ربيتنا عليه من إيمان واحتساب ما كنا لنصبر على فراقك بعد أن رحلت والدتنا إلى جوار ربها راضية مرضية أشهرا قليلة قبل وفاتك.. وكيف لا نصبر يا أبي وأنت الصابر المصطبر المحتسب.
يا أبي...
مازلت أبحث عن الكلمات التي تفيك حقك، ما زالت اللغة تُغالبني، والكلمات تأبى أن تعبر عما يجول بخاطري وما يجيش به فؤادي...  فقد كنت في ناظري أرفع من الكلمات وأسمى: لقد كنت لي الأب والصديق والأخ والرفيق والسند عند الضيق والعون في الطريق.. كنت الأب المتميز في كل مجال، كنت ولا تزال فخرا لنا وقدوة ونبراسا به نقتدي وعلى خطاه نهتدي... أقر لك يا أبي - وكل إخوتي - بالعرفان والتقدير، وندعو لك بالرحمة والغفران وندعو المولى عز وجل أن يُسكنك الفردوس الأعلى مع الشهداء والصحابة الأبرار. 
يا أبي...
يسألني أحفادك ماذا تعلمنا منك؟ فأقول بل اسألوني ماذا لم نتعلم منك يا والدي وأنت مدرسة حياتنا، أنت المعلم في قولك وفعلك في كلامك وصمتك في نظرتك وإطراقتك... كل يوم نتعلم منك ما يفيدنا في حياتنا، في تربية أولادنا، في التعامل مع الناس... علمتنا في تجارتنا الحفاظ على السمعة والجودة في العمل، والصبر على التحديات والاستفادة والتعلم من أي مشكلة يمكن أن تقع... علمتنا أن ننظر إلى المشكلة على أنها حل لمشاكل قادمة وتجاوز لما هو أكبر في المستقبل.. فصرنا مثلك نتقبل المشكلة بالصبر والإيمان على أنها ابتلاء من الله.. لقد شهدنا صبرك على الأيام.. فكم كنت صبورا أمام التحديات والأزمات التي مرت بك وكنت في كل مرة تخرج منتصرا...
يا أبي...
ونحن على أبواب شهر رمضان الكريم، تسألني عنك المجالس وتحضرني الذكريات التي يصعب اختصارها في كلمات.. مع اقتراب الشهر الفضيل، يسألني البعيد والقريب، الصديق والحبيب، يسألني عنك روادك في مجلسك بالقضيبية، مجلسك الذي كان ولا يزال مفتوحا للأهل والأصدقاء، فقد كنت تستقبلهم وكأنهم في بيوتهم، وتحادثهم فردا فردا مهما كثر عددهم، كنت حبيبا لله وحبيبا للجميع، ومن يمل حديث محبيه وأنت المحاور المتواضع ذو البديهة والذاكرة القوية... وبالرغم من كثرة ما لديك من أفكار وأذكار وأخبار فقد كنت تزن كلامك بميزان الذهب فلا يخرج من فمك إذا تحدثت إلا عطر من الكلمات.. 
يا أبي...
يسألني أحبابك كلما لقيتهم عن الذكريات والمواقف والمآثر.. يسألونني، فلا أعرف كيف أجيب، وأنت الذي علمتنا أن نعمل في صمت وأن نكون فعلا في الأرض لا قولا، حدثا لا حديثا.. علمتنا الإخلاص للوطن وخدمة البحرين قيادة وشعبا دون ضجيج، لقد عاصرت يا أبي فترة عظيمة من تاريخ بلادنا الحبيبة، ما بين انحسار تجارة اللؤلؤ وظهور النفط، عاصرت النشأة الحديثة لدولة البحرين وساهمت بنشاطك وهمتك الوقادة في نهضة بلادنا في أكثر من مجال وعلى أكثر من صعيد: تجاري، اجتماعي، سياسي... وكنت في كل مجال متميزا، فقد خدمت البحرين وشعبها طيلة حياتك وأخلصت لقيادتها الرشيدة وكنت قريبا جدا من المواطن حريصا على أن توفر الشركات الاقتصادية التي أسستها الخدمات النافعة للمواطنين بأقل التكاليف؛ مراعاة للمستوى المعيشي العام لأهل البحرين في مطلع سبعينات القرن الماضي. وقد عرفت يا أبي حاجة البلاد في فترة البناء فاخترت تأسيس الشركات المساهمة العامة لإيمانك العميق بحاجة الوطن إلى مثل هذه الشركات المنتجة التي توفر للبلاد الوظائف للبحرينيين والإنتاج لعموم المستهلكين.
يا أبي...
يسألني عنك البحر وسفن الغوص والطواويش... تسألني عنك حبات اللؤلؤ حزينة باكية.. تسأل عمن كانت تحادثه ويحادثها شادية زاهية... تسأل عنك أرجاء المكان وتفاصيل الزمان... زمان أول يا أبي؛ فقد حافظت على إرث عائلة المناعي التي مارست تجارة اللؤلؤ (طواويش) منذ عقود، وقد نشأت أنت - يا أبي - على حب اللؤلؤ وتعلقت به، ودرست عنه، وتخصصت فيه، وتخرجت مصمما للمجوهرات، حتى أصبح فن التصميم أحد أبرز أعمالك، وصرت من ألمع رجال الأعمال في مجال تصميم الهدايا والمجوهرات للدولة وللعائلة الحاكمة... وكنت في مجال الذهب والمجوهرات متخصصا وخبيرا ومرجع نظر ومحكما بين تجار اللؤلؤ والطواويش، وساهمت في تأسيس جمعية الذهب والمجوهرات، وترأستها لفترة من الزمن، وترأست لجنة الذهب والمجوهرات في غرفة تجارة وصناعة البحرين، وتجاوزت شهرتك ومكانتك الاقتصادية حدود البلاد والخليج العربي حتى صرت عضوا في مجالس استشارية عربية ودولية.
يا أبي...
نحن أولادك وأحفادك، وعلى خطاك نسير، مهمتنا الحفاظ على سمعتك ومكانتك التي ما زادت عائلتنا إلا شموخا ورفعة. نحن على العهد باقون وسيبقى ما بنيته من مجد، من رقي، من ازدهار... وستتواصل بإذن الله تعالى نجاحاتك على أيدي أبنائك وأحفادك... ستستمر تجارة اللؤلؤ التي أحببتها، ستستمر هذه التجارة التي ورثناها أبا عن جد، وسنطورها ونواصل مسيرتك ونرقى بها وباللؤلؤ البحريني المتميز إلى الأفضل والأسمى. 
يا أبي... 
نم قرير العين، فنحن فخورون بك وسائرون على خطاك لنكمل المسيرة. 
ابنك: طلال بن محمد بن عبدالله بن عيسى المناعي

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .